البعد الاجتماعي للنيابة العامة في إطار مدونة الأسرة
إن الحاجة إلى القانون لا تظهر سوى في تنظيمه للمجتمع، ومن ثم وجب اعتبار القاعدة القانونية قاعدة اجتماعية أي قاعدة الغاية منها تنظيم روابط الأفراد التي نشأت كنتيجة للعيش داخل الجماعة.
ولما كان المجتمع سواء اتخذ شكل دولة أو غيرها يتطور بتطور الظروف المحيطة به، فإن القاعدة القانونية تتأثر بهذا التطور وتتغير مضامينها من مجتمع لآخرلتواكب البعد الاجتماعي وترسيخ قواعده. والتحولات الاجتماعية هي ظاهرة لازمت المجتمع الإنساني منذ القدم و لا زالت إلى يومنا هذا.
![]() |
البعد الاجتماعي للنيابة العامة وفق مدونة الأسرة |
وعلى هذا الأساس فيجب أن يخضع القانون للتغيير المستمر ليلائم الواقع الاجتماعي في تطوره وديناميكيته من أجل المحافظة على استقرار النظام الاجتماعي.
وتأسيسا على هذا نجد أن المشرع المغربي عند إصدار مدونة الأسرة وضع نصب أعينه العوامل التي أنتجتها وساهمت في تشكيل مضامينها وأعطت لأحكامها أبعادا متعددة، من أهمها البعد الاجتماعي التي راعته من خلال فهم الواقع ومحاولة تصحيح الأوضاع فيه، وذلك عن طريق وضع أفضل القواعد القانونية وأنجع الصيغ التشريعية الحديثة.
بالإضافة إلى إضفاء الطابع الاجتماعي للقضاء الأسري سواء القضاء الجالس أو القضاء الو اقف المتمثل في النيابة العامة، حتى يكون الأقرب للوقائع الاجتماعية ويترجم فلسفة تشريع الأسرة بما يلائم تطورات المجتمع بأرض الو اقع.
وما وبمنا هنا هو الطابع الاجتماعي للنيابة العامة كمؤسسة قضائية لها دور في اتخاذ التدابير اللازمة. بالإضافة إلى دورها الرئيسي الجنائي المتمثل في السهر على حماية الأفراد من الاعتداءات التي قد تطال حقوقهم المادية والمعنوية.
إذن أي دور اجتماعي للنيابة العامة في ظل مدونة الأسرة ؟للإجابة على هذه الإشكالية ارتأينا تناول الموضوع من خلال ما يلي: المحور الأول: البعد الاجتماعي للنيابة العامة على ضوء مدونة الأسرة. المحور الثاني: تجليات البعد الاجتماعي للنيابة العامة.
البعد الاجتماعي للنيابة العامة في ضوء مدونة الأسرة
مما لا شك فيه أن مدونة الأسرة الصادرة بمقتضى الظهير الشريف رقم 01.04.22 المؤرخ في 3 فبر اير 2004 بتنفيذ القانون رقم 07.03 تشكل منعطفا تاريخيا في مسار بلادنا نحو تدعيم وترسيخ مبادئ وأسس دولة الحق والقانون، وإشراك جميع أفراد المجتمع رجالا ونساء، في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ويكون ذلك عبر الاهتمام في إطار رؤية شمولية بأحد أهم الوسائط التعبيرية التقليدية التي تربط بين الثقافة والمجتمع، وهي خلية الأسرة، فنحن في الحقيقة أمام مشروع مجتمعي حداثي كبير.
فتحقيق الأهداف المرسومة لمدونة الأسرة رهين بالتطبيق الحسن لأحكامها واستيعاب محتواها بالشكل الذي يتفاعل مع روح النص والغاية من إقراره، وهي مسؤولية كبرى ملقاة على عاتق مؤسسة القضاء وفي إطار هذا السياق عملت مدونة الأسرة على تغيير من ملامح النيابة العامة وازداد وزنها بشكل كبير، وأصبح حضورها ثقيلا جدا.
وهذا الحضور غير الخفيف يتضمن بالإضافة إلى دلالته المسطرية والإجر ائية، حمولة رمزية شديدة توضح الإرادة التشريعية المتوجهة نحو وضع قضايا الأسرة في صلب الشؤون العامة المرتبطة بالنظام العام وبالمصالح الحيوية للمجتمع المغريي ككل .
مع أنه يجدر التنبيه إلى أن المطلوب هو ألا يتجسد حضور النيابة العامة في شكله الرمزي فقط، ولكن المطلوب هو انخراط هذا الجهاز فعليا في مهمة تحقيق الأهداف الكبرى للمدونة اعتمادا على الصلاحيات الواسعة المخولة لها قانونا.
1- النيابة العامة ركن من أركان السلطة القضائية
تعتبر النيابة العامة ركنا أساسيا من أركان السلطة القضائية، تستمد أهميتها من كون أعضانها ينوبون عن المجتمع في إرساء مبادئ العدالة الجنائية التي يطمح ويسعى لتحقيقها وتثبيتها في إقامة العدل التي هي أحد الأسس المحورية التي تقوم عليها مهمة النيابة العامة.
فهي قضاء خاص أوكل المشرع اليه مهمة التطبيق السليم للقانون الذي ينتج عنه ترسيخ للعدالة وحقوق الإنسان والحريات الأساسية لكل من الافراد والجماعات.
الى جانب دورها التقليدي في التصدي للجريمة من خلال إشر افها وتسييرها لعمل الشرطة القضائية و إقامتها وممارستها للدعوى العمومية في مواجهة الخارجين عن طوع القانون الجنائي.
2- تمثيلية النيابة العامة لدى المحاكم
بخصوص تمثيلية النيابة العامة لدى المحاكم، فيمثلها بالمحكمة الابتدائية وكيل الملك وعدة نواب 368، ويمثلها بمحكمة الاستئناف ومحكمة الاستئناف التجارية الوكيل العام للملك وعدة نواب.
في حين يمثلها بمحكمة النقض الوكيل العام للملك يساعده محامون عامون. فقضاتها يعينون أو يقترحون حسب الحالة، من قبل المجلس الأعلى للسلطة القضانية المدعوون لرئاسة هيئة أو لجنة أو لشغل منصب عضو بها، أو للقيام بأي مهمة مؤقتة أو دائمة لديها.
وذلك طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل بعد استشارة الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة.
3- مميزات النيابة العامة
من أهم الخصائص التي تتميز بها النيابة العامة كما يلي:
- الاستقلال.
- حدة أعضائها.
- خضوعها لمبدأ التسلسل الرئاسي.
فوكيل الملك بالمحكمة الابتدائية يخضع لرقابة الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف، وكلهم يخضعون لرقابة الوكيل العام للملك بمحكمة النقض.
كما تمتاز بصفة الوحدة، حيث إنه خلافا لقضاة الأحكام فري وحدة لا تتجزا، فيمكن لكل عضو من أعضائها أن يحل محل الأخر في مواصلة إجراء من الإجراءات، دون أن يترتب على ذلك أي بطلان، ولك بشرط أن تتقيد خاصية الوحدة بالاختصاص النوعي والمكاني.
فري الهيئة القضائية التي أوكل إليها المشرع ممارسة الدعوى العمومية طبقا للمادة 3 من القانون رقم 22-01 المتعلق بالمسطرة الجنائية، وحضورها يكون اجباري في القضايا الزجرية سواء على مستوى المحكمة الابتدائية أو الاستئناف.
وفي القضايا المدنية متى كانت طرفا أصليا، وكذلك إلزاميا في جميع الجلسات أمام محكمة النقض، ويكون حضورها اختياريا في جميع القضايا الأخرى ويغني إدلاءها بالمستنتجات الكتابية عن حضورها عند الاقتضاء.
4- ما المقصود بالدور الاجتماعي للنيابة العامة؟
وايمانا من المشرع المغربي في تحقيق البعد الاجتماعي في مدونة الأسرة أعطى للنيابة العامة دوراجتماعي أكثر إنسانية يرمي بالأساس إلى المحافظة على النسيج الاجتماعي ويحميه من التمزق ويحقق تلك الرغبة الأمنية الملحة بأسلوب يراعي خصوصيات المجتمع المغربي وتقاليده وأعر افه المنتقاة من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف ومن تراث بلدنا العتيق.
كما منحها وسائل عدة للسهرعلى حسن التنزيل السليمة لنصوص مدونة الأسرة تحقيقا لمقاصد المشرع، فإذا تعارضت المقاصد والوسائل تعين تقديم المقاصد على الوسائل.
ويقصد بالدور الاجتماعي للنيابة العامة ليس فقط تخلي النيابة العامة عن دور الخصم والاضطلاع بدور المرفق والمسدد والداعية إلى الإنصاف والتأخي والتواد، ولكن أيضا قيامها بمعالجة الحالات الاجتماعية والإصلاح الفوري للأضرار الاجتماعية التي من شأنها أن تؤدي إلى دمار الأسرة بطريقة غيرمباشرة.
والجدير بالذكر إن إعطاء الطابع الاجتماعي للنيابة العامة درءا لما من شأنه أن يعصف باستقرار وتماسك الأسرة من انحراف وتشرد لكون قضاياها لم تعد شأنا خاصا بالزوجين والأقارب ، وإنما هي قضايا ذات تأثير على المجتمع برمته.
لذلك أنيطت بها لكونها نانبا قانونيا لهذا المجتمع مهام متعددة تتضح معالمها وتجلياتها عبر جميع محطات العلاقات الأسرية سواء من زواج و أثاره على الزوجة والأبناء والأقارب، وإجراءاته الشكلية المتعددة، وانحلال ميثاق الزواج بالوفاة أو الفسخ أو الطلاق أو التطليق بمختلف أنواعه، والعدة، والولادة ونتائجها والنسب، والنفقة، وحضانة الأولاد، والأهلية، والنيابة الشرعية، والولاية، والوصاية والوصية والميراث.
5- طبيعة تدخل النيابة العامة في حماية الأسرة
ووعيا من المشرع في حماية الأسرة من التفكك والحفاظ على مصالح الزوجين والأطفال ة جعل تدخل النيابة العامة طرفا أصليا تارة 384، وطرفا منظم تارة أخرى 385، وذلك بقصد حماية النظام العام ومصالح محددة قانونا، أو إبداء الرأي لمصلحة القانون والعدالة أساسا، وسنوضح ذلك من خلال الجدول أسفله:
تدخل النيابة العامة كطرف رئيسي | تدخل النيابة العامة كطرف منضم |
---|---|
1- هذا التدخل ينظوي على دور إيجابي لها في القضايا المدنية، حيث تعتبر واحدا من الخصوم، قد تكون مدعية أو مدعى عليها، - تكون مدعية : إذا كانت هي التي قدمت الطلب للمحكمة، - وتكون مدعى عليها: في الدعوى المرفوعة ضدها مباشرة من أحد المتقاضين ولها أن تبسط حججها للخصوم للتعقيب على أراءها، 2- يحق لها استعمال كافة طرق الطعن ماعدا التعرض عندما تكون طرفا رئيسيا في القضايا المدنية، ولا يحق لها ذلك كطرف منضم، 3- تمارس كطرف رئيسي حقها في الطعن في حدود القواعد العامة المرتبطة بذلك، كما أنه يجب أنمنضم، كما أنه يجب ألا يبلغ الحكم لها ولا يلغي حضورها عن ذلك. 4- يكون حضورها إلزاميا كطرف رئيسي، وهو اختياري عندما تكون كطرف منضم،ولا يجوز تجريح قضاتها، لأنها تعتبر خصما حقيقيا في مواجهة الأطراف. | 1- هنا فإنه طبقا لمقتضيات المادة 9 من قانون المسطرة المدنية، فإن النيابة العامة لاتكون خصما لأحد و إنما تتدخل لتبدي رأيها لمصلحة القانون والعدالة، 2- يحق لها استعمال أي طريق للطعن ولا يكون حضورها في الجلسة إلزاميا، 3- يجوز للخصوم تجريحا لأي سبب من الأسباب المنصوص عليها في الفصل 295 من قانون المسطرة المدنية، وذلك طبقا للفصل 299 من نفس القانون. |
ويبقى هذا التدخل المزدوج على كل حال رهين بالضوابط القانونية المتمثلة في كل من قانون المسطرة المدنية ومدونة الأسرة، إلى جانب قو انين أخرى كقانون الحالة المدنية 387، وقانون كفالة الأطفال المهملين 388، وكذا قانون الجنسية 389، والتي خولت لها صلاحيات واسعة منها ما هو ولائي وإداري، ومنها ما هو قضائي.
تجليات البعد الاجتماعي للنيابة العامة
فموضوع البعد الاجتماعي للنيابة العامة مرتبط أساسا بتحقيق عدة أهداف اجتماعية إنسانية، تعكس في الحقيقة التجسيد القانوني للو اقع المعاش والأخذ بعين الاعتبار ظروف فنات اجتماعية توجد في موقع الطرف الضعيف في قضايا الأسرة بقصد تحقيق الاستقرار الأسري.
![]() |
البعد الاجتماعي للنيابة العامة في ضوء مدونة الأسرة |
ولكي نسلط الضوء على هذا الموضوع فإننا سنحاول الحديث عن تجليات البعد الاجتماعي للنيابة العامة باستجلاء لبعض الأدوار الإجتماعية على سبيل المثال التطرق بداية إلى دور النيابة العامة في إصلاح ذات البين بداية، ثم إلى دورها في إرجاع المطرود من أحد الزوجين إلى بيت الزوجية كما سيتم تناوله في التالي.
1- النيابة العامة ودورها في إصلاح ذات البين
أنيطت بالنيابة العامة وفقا للمادة 81 من مدونة الأسرة 390 مهمة المساعدة للمحكمة في مسطرة التبليغ خلال مرحلة الصلح في الحلة التي يكون فيها عنوان الزوجة مجهول لكونها تستطيع الوصول إلى الحقيقة عن طريق الاستعانة بالضابطة القضائية أو بالتنسيق مع السلطات المحلية وبجميع الوسائل المتاحة لها 391
كما تسهر على مباشرة الأبحاث بشأن أفعال التدليس والتحايل التي قد ترتكب من طرف أحد الزوجين في هذا المضمارلتنتقل إلى الدور التقليدي المتمثل في الدور الجنائي بتحريك الدعوى العمومية بطلب من الزوجة المتضررة.
وعلى مستوى الممارسة القضائية، فإن هذا الدورالذي تؤديه النيابة العامة لدى القسم الجنحي، حتى إذا تم إسدال الستار استحال على مسطرة التبليغ، وكانت نتيجتها ايجابية، الكامنة في حضور الزوجة لجلسة الصلح، انتقلت معها النيابة العامة إلى مرحلة أساسية وحاسمة، ألا وهي مرحلة المصالحة.
حيث قد يجد قضاء النيابة العامة لدى قسم قضاء الأسرة، مكانا له ضمن طاقم الهيئة المكلفة بمباشرة واجراءات إصلاح ذات البين"
ويبرز دور قاضي النيابة العامة من خلال المساهمة الفعالة في مسطرة الصلح خلال مرحلة الطلاق وذلك بأن يحضر جلسة الصلح التي تعقدها المحكمة في شخص قضاة الأسرة، أو يقع انتداب هؤلاء للقيام بهذه المهمة الإنسانية، حيث يسعى إلى إبراز:
- الأثار الوخيمة التي تنجم عن انفصام ميثاق الزوجية.
- والمصيرالمأساوي والمؤلم الذي ينتظر أطفال الطلاق.
- وكذا العمل على تقريب وجهة نظر الزوجين وإيجاد حلول ناجحة وو اقعية للنزاع القائم بينهما.
بعدما يعمد إلى تقصي ومعرفة أسبابه، دون أن يغوص في التفاصيل الدقيقة، التي من شأنها إحراج الطرفين أو أحدهما، مما قد يدفعهما إلى الاحترازعن الانسجام معه، مستعينا في ذلك بمؤهلاته القانونية والعلمية، وخبرته العملية، وما اكتسبه من مهارات الوساطة والتواصل مع الآخرين، فضلا عما ينبغي أن يتحلى به من أخلاق فاضلة، وسمعة طيبة، وسعة الصدر، وصدق الحديث، وحسن السيرة.
1- في حالة انتداب المحكمة لحكمين بغية الإصلاح بين الزوجين المتخاصمين: أمكن لقاضي النيابة العامة المختص التماس التريث في اختيار الحكمين، والتمعن والتدقيق في ذلك، والتحقق في كونهم من ذوي المروءة والحكمة، ولهما تأثير معنوي على الزوجين.
2- في حالة تعذر وجود حكمين من أهلهما: حق لقاضي النيابة العامة المكلف، أن يلتمس من المحكمة تعيين شخص مؤهل للقيام بهذه الرسالة الهادفة، والاستعانة أيضا بمجلس العائلة، أو التماس انتداب أحد أعضاء الهيئة القضائية للقيام بمهمة الصلح، وأن يلتمس أيضا الاستماع للشهود، ولمن يرى فائدة في الاستماع إليه.
3- إذا كان للزوجين أطفال: فإن النيابة العامة تلتمس وجوبا إجراء محاولتين للصلح تفصل بينهما مدة لا تقل عن 30 يوما، مع التماس تحرير محضر وقوع الصلح،ومن ثم تشهد عليه المحكمة للرجوع إليه عند الحاجة، مع التمسك بضرورة الحضور الشخصي للزوجين في جلسة المصالحة، لكونها إجراء جوهري يتعذر مباشرته في غياب الزوجين المعنيين.
4- إذا تعذر الإصلاح بين الزوجين: التمست النيابة العامة من المحكمة تحديد مبلغا ماليا كافيا، يجب على الزوج إيداعه بصندوق المحكمة داخل أجل 30 يوما، وذلك لتغطية مستحقات الزوجة والأطفال الملزم بنفقتهم.
- وإن لم يودع الزوج المبلغ الذي حددته المحكمة داخل أجل 30 يوما: اعتبر ذلك تراجع منه عن رغبته في الطلاق، وبصرف النظرعن طلبه، حيث يلتمس النيابة العامة من المحكمة الإشهاد على هذا التراجع من طرف الهيئة القضائية المكلفة.
- أما إذا أودع الزوج المبلغ المطلوب منه داخل نفس الأجل: أذنت له المحكمة بتوثيق الطلاق لدى العدلين المنتصبين للإشهاد داخل دائرة نفوذها، خلال أجل 15 يوم من تاريخ تسلم الإذن، الذي لا يقبل الطعن، ثم يقوم قاضي التوثيق بمجرد خطابه على رسم الطلاق على توجيه نسخة منه إلى المحكمة التي أصدرت الإذن بالطلاق.
بعد الإشهاد على الطلاق وتحريره من طرف العدلين المختصين، وخطاب قاضي التوثيق عليه، وتوجيه نسخة منه إلى المحكمة المصدرة للإذن بالطلاق، تصدر هذه الأخيرة (المحكمة) بعد توصلها بالوثيقة المذكورة، قرارا معللا يتضمن البيانات المسطرة في المادة 81 من المدونة.
ومن ضمنها مستنتجات النيابة العامة، وإذا لم يتم تضمين هذه المستنتجات ترتب عن هذا الإخلال بالضرورة البطلان، وذلك تأسيسا على مقتضيات الفقرة الأخيرة من الفصل التاسع من قانون المسطرة المدنية.
ويتعين تبليغ ملخص وثيقة الطلاق إلى ضابط الحالة المدنية لمحل ولادة الزوجين أو توجيهها إلى وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالرباط إذا لم يكن للزوجين أو لأحدهما محل ولادة بالمغرب طبقا للمادة 141 من مدونة الأسرة.
ويجوز للنيابة العامة الطعن بالاستنناف في هذا القرار باعتبارها طرفا أصليا ووفق المادة الثالثة من مدونة الأسرة، باستثناء الجزء القاضي بانفصام الزوجين الذي لا يقبل أي طعن وفقا لما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 128 من نفس المدونة، إذ أنه لا طعن بدون مصلحة حسب القواعد العامة المؤطرة لمؤسسة الطعون.
2- إرجاع المطرود من أحد الزوجين إلى بيت الزوجية
يجد تدخل النيابة العامة من أجل إرجاع المطرود من الزوجين إلى بيت الزوجية سنده القانوني في المادة 53 من مدونة الأسرة، وتؤكد هذه المادة على أهمية دور النيابة العامة الذي أنيطت به في مدونة الأسرة.
وهي مادة أملتها ضرورة معالجة بعض الحالات الواقعية التي كانت تنطوي على معاناة الزوجة أو الزوج من تداعيات الطرد من بيت الزوجية دون مبررفي غياب نص صريح يخول إمكانية اتخاذ إجراء فوري لحماية وإرجاع المطرود إلى بيت الزوجية.
فالمعاناة كانت كبيرة أحيانا خاصة إذا طردت الزوجة وهي شبه عارية من بين الزوجية بدون مبررفي ساعة متأخرة من الليل، وهو أمر ينطوي على ضرر خطير محدق بالمطرود مما يستلزم المعالجة الفورية في انتظار الحسم في الأمر قضائيا و أيضا في حالة وجود ملف الطلاق معروض على هينة المحكمة وتعذر على الزوجة أو الزوج المطرود الإقامة في مكان آخرغير بيت الزوجية.
كل هذا كان يحتاج إلى تدخل تشريعي، وهو ما سعت المدونة إلى تحقيقه وأصبح بإمكان النيابة العامة التدخل فورا ومؤقتا لرد الزوجة أو الزوج المطرود من بيت الزوجية إلى حين أخذ الإجراءات القانونية مجراها الطبيعي.
إلا أنه من الناحية الواقعية يصعب تطبيق مقتضيات هذه المادة على اعتبار تواجد الزوجين لوحدهما في بيت الزوجية وحتى إذا قامت النيابة العامة بإرجاع الزوج المطرود لبيت الزوجية، فإنه يمكن إعادة طرده من جديد بين الفينة والأخرى ناهيك عن عدم إمكانية حمايته داخل بيت الزوجية من بطش الطرف الآخر.
كما أن الأمر يمكن لهذا الأمر أن يتخذ صبغة أخرى من خلال التحايل على هذا الإجراء حيث يحصل يوميا في عدة نوازل عندما يطرد الزوج زوجته يخرج جميع أثاث المنزل ويقوم بفسخ عقد الكراء وينتقل إلى مدينة أخرى.
علاوة على ذلك، فإن ما يعاب على المادة 53 من مدونة الأسرة هو إيرادها لعبارة "دون مبرر" وهو ما قد يضع إشكالا وعقبة في وجه النيابة العامة لأن مفهوم المخالفة للنص أنه بمجرد وجود المبرر لا يمكن للنيابة العامة أن تتدخل لإرجاع المطرود، إلا أنه في أغلب الأحوال فإن للنيابة العامة السلطة التقديرية في هذا الصدد.
وأخيرا يمكن القول أنه بالرغم مما تطرحه المادة 53 من العديد من الإشكالات، فإن النيابة العامة هي الجهة المعول عليها في تفعيل مقتضياتها، وذلك من خلال مراعاة الفلسفة العامة التي جاءت بها المدونة، مما يجعل تطبيقها ينضبط لروح المدونة أكثرمن نصوصها، وهذا بطبيعة الحال لا يأتي إلا بالتطبيق السليم للمادة المذكورة، وإعمال مبدأ الملائمة الذي يتيح لها إمكانية التدخل من عدمه حسب كل حالة على حدة.