📁 آخر الأخبار

موقع الضحية في قانون العقوبات البديلة

موقع الضحية في قانون العقوبات البديلة

إن الجريمة عرفت في السنوات الأخيرة تطورا متقدما ونوعيا من حيث خطورة الأفعال الجرمية، وكذا من حيث الوسائل المستعملة فيها، ومن حيث طبيعة الأشخاص المقترفين لها، فهي تتجدد باستمرار خصوصا مع هذا التطور الهائل الذي تعرفه مواقع التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي الذي أظهر لنا جرائم جديدة في وجرائم استعراضية ترتكب في الشارع العام وأمام الملآ، مما ينعكس على الأمن والهدوء والسكينة والنظام العام.
مركز الضحية في ضوء قانون العقوبات البديلة
موقع الضحية في قانون العقوبات البديلة 

ومقابل كل ذلك فقد ظلت السياسة الجنائية حبيسة لأدوارها المحدودة والتقليدية، وفي ظل غياب الباحثين والمختصين في المادة الزجرية وفي العلوم الإنسانية الذين بإمكانهم إيجاد الحلول من أجل فك لغز مسألة ارتفاع الجريمة بالشكل الذي نعرفه على المستوى الحالي، وحل إشكالية ارتفاع نوعية خاصة من المجرمين، وذلك بسبب عجز القوانين عن اللحاق بركب الانحرافات الجرمية، كما أنها أصبحت غير قادرة على احتواء تلك الجرائم.

وبما أن المتهمين يكونون على قدم المساواة ولا فرق بينهم حين تتشابه الأفعال الصادرة عنهم والمتابعات مع نفس الظروف الشخصية والاجتماعية، فإن الضحية يجب أن تعطى له أسبقية وأولوية في التناسب القضائي أثناء توقيع الجزاء، باعتبار أن هذا التناسب القضائي في توقيع الجزاء من شأنه أن يقوي ثقة المتقاضين والمرتفقين في مؤسسة القضاء والعدالة الجنائية.

وإذا كان التوجه الجديد للمشرع الجنائي يعمل على تجاوز كل هذه الإشكالات من خلال البحث عن البدائل، فقد جاء بهذا الصدد "قانون العقوبات البديلة "كتشريع جنائي متقدم ومتطور متضمنا في مقتضياته بعض مبادئ حقوق الانسان، إلا أنه مع ذلك يحمل في طياته العديد من الإشكالات الحقوقية والقانونية خصوصا فيما يتعلق بحقوق الضحية.

وبما أن موضوعنا حسب ما هو مبين في العنوان متعلق بموقع ومركز الضحية ومكانتها في القانون المتعلق بالعقوبات البديلة يجعلنا نطرح الإشكالات التالية:
  1. أين هو موقع ومكانة الضحية في ظل كل هذه العقوبات؟
  2. وهل المشرع في ظل هذا القانون وفق في حماية الضحية أم لا؟
وبصدد دراستنا لهذا الموضوع فإننا سنحاول الإحاطة بهذه الإشكالات من خلال تقسيمنا لهذا الموضوع الى قسمين حيث سنتحدث بداية عن موقع كل من المتهم والضحية قبل المحاكمة وأثناءها، على أن نتناول من جهة ثانية لموقع المتهم والضحية بعد المحاكمة.

الفقرة الأولى: مركز المتهم والضحية قبل المحاكمة وأثناءها

إن المشرع الجنائي حاول تمتيع المشتبه فيه بضمانات كبيرة قبل المحاكمة، كما أناح له ضمانات أثناء المحاكمة.

أولا) الضمانات المخولة للمشتبه فيه والضحية قبل المحاكمة

إن الضابطة القضائية باعتبارها هي المؤسسة التي أوكل اليها المشرع مهمة البحث والتحري في جمع الحجج والقرائن والدلائل المرتبطة بالفعل الاجرامي المرتكب، فإنه أثناء قيامها بذلك فهي تأخذ بعين الاعتبار الحقوق والضمانات المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية لفائدة المشتبه فيه.
وذلك:
  •  أولا: أن الضابطة القضائية تكون ملزمة بالاتصال بعائلة المشتبه فيه أو أحد أقربائه قبل الاستماع اليه في محضر قانوني، ومقابل ذلك فهي غير ملزمة قانونا بالاتصال بعائلة الضحية.
  • ثانيا: أنه تكون الضابطة القضائية ملزمة بإشعار كل شخص تم القبض عليه، أو وضع تحت الحراسة النظرية، وإخباره بكيفية يفهمها بحقوقه وبدواعي اعتقاله، فمن حقوقه مثلا: كحقه في التزام الصمت.
  • أما الضحية فلا يتم أشعاره ولا إخباره بالإجراءات المتخذة، ولا يستفيد من مثل هذه الحقوق.
  • ثالثا: كما أنه كذلك إذا كان المشتبه فيه يتحدث لغة أو لهجة لا يحسنها ضابط الشرطة القضائية فإن هذا الضابط يكون ملزما بإشعاره بأن من حقه الاستعانة بمترجم.
بالإضافة الى أن المشتبه فيه من حقه الاستفادة من من المساعدة القانونية من خلال الاتصال بالمحامي، أما الضحية فلا يستفيد من هذا الإجراء.
وأثناء تقديمه أمام النيابة العامة فإن المتهم لديه حقوق أخرى مثلا: كحقه في الاستعانة بالمحامي للدفاع عنه قبل استنطاقه من قبل ممثل النيابة العامة، كما أنه من حقه كذلك الخضوع لفحص طبي.

ثانيا) الضمانات المخولة للمشتبه فيه والضحية أثناء المحاكمة

فمن بين تلك الضمانات أن المحكمة تشعر المتهم المقدم أمامها في حالة اعتقال بحقه في الدفاع عن نفسه أو إعطائه مهلة من أجل تهيئ دفاعه وتنصيب محام من أجل الدفاع عنه، وفي مقابل ذلك فالضحية غالبا ما لا يتم إشعاره بهذا الحق، ولا يتم منحه هذا الامتياز. والأكثر من ذلك أن المحكمة يمكن لها أن تناقش القضية في غيبته، وأن استدعاء الضحية يكون خاضعا لسلطة محكمة الموضوع وليس لسلطة القانون.

كما تمنح المحكمة للمتهم المساعدة القضائية بقوة القانون خصوصا في حالة تنصيب محام لمؤازرته والمساعدة القضائية بناء على طلب فيما يخص عدم أداء الرسوم القضائية.

وفي مقابل ذلك فإن الضحية لا يستفيد من المساعدة القضائية إلا بناء على تقديم طلب بشأنها، كما أن الضحية إذا لم ينصب كطرف مدني ولم يؤدي القسط الجزافي فإن المحكمة تقضي بعدم قبول مطالبه المدنية.

وفي حالة عدم تقديم الطعن بالاستئناف في الحكم الابتدائي وقامت النيابة العامة بالاستئناف لوحدها، فإن محكمة الدرجة الثانية تقوم بالنظر فقط في الشق الذي يتعلق بالدعوى العمومية دون الدعوى المدنية التابعة.

كما أن رئيس الغرفة الجنائية يجب عليه التأكد من حضور محامي المتهم، وفي حالة تغييبه فإنه يعين بشكل تلقائي من يقوم مقامه، ومقابل ذلك فهو غير ملزم بالتأكد من حضور دفاع الضحية.

الفقرة الثانية: مركز المتهم والضحية بعد المحاكمة

إن المشرع الجنائي لم يقتصر فقط على لم يقتصر فقط على تمتيع المتهم بضمانات قبل المحاكمة وأثناءها بل إنه عمل كذلك على ضمان حقوق أخرى في قانون العقوبات البديلة للمتهم سواء بعد المحاكمة أو أثناء تنفيذ المقرر القضائي.

أولا) حقوق المتهم والضحية بعد المحاكمة

يتضح لنا بهذا الشأن أن المحكمة تقوم بإشعار المحكوم عليه" بسلوك طرق الطعن داخل آجال" محددة بمقتضى القانون بعد النطق بالحكم، في حين أنها لا تبدل جهدا في إشعار الطرف المتضرر بحقه في طلب الطعن داخل تلك الآجال المنصوص عليها قانونا.

وفيما يخص العمل من أجل المنفعة العامة، فإنه أصبح بإمكان المحكمة الحكم على المتهم بعقوبة العمل من أجل المنفعة العامة، باعتبارها بديلا للعقوبة السالبة للحرية إذا كان المحكوم عليه بالغا من العمر 15 سنة على الأقل من تاريخ صدور الحكم، لفائدة شخص معنوي "اعتباري"، بالرغم من اعتباره طرفا أجنبيا عن القضية.

أما الضحية فهو الذي يتألم ويعاني، فالشخص المعنوي هو الذي يستفيد من خدمات المحكوم عليه، فلماذا إذا لا يتم توجيه هذه الخدمات الى الضحية كتعويض عن جبر الضرر؟

فضلا كلى أن الشخص المحكوم عليه إذا ارتكب أثناء نفيذه العقوبات البديلة ضررا للغير

فإن الدولة هي التي تتحمل مسألة تعويض الأضرار، ونقصد هنا الأضرار التي لحقت بمصالح الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية ودور العبادة والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات الخيرية. في حين أنها لا تقوم بتعويض للضحية بنفس مسطرة التعويض للخسائر اللاحقة بسبب خطأ المحكوم عليه.

ثانيا) الحقوق المكفولة للمتهم والضحية أثناء تنفيذ المقرر القضائي

سيتم التطرق في هذا الشأن بداية في ما يتعلق بالغرامة اليومية، ثم لارتفاع التكلفة المالية بعدها نتطرق لمسألة اكتظاظ السجون.

1- الغرامة اليومية:

لقد أصبح للمحكمة إمكانية الحكم بعقوبة الغرامة المالية اليومية كبديل للعقوبة الحبسية النافذة، والغرامة اليومية تتمثل في مبلغ مالي تحدده المحكمة عن كل يوم من المدة الحبسية المحكوم بها، ولا يتم الحكم بها إلا بعد الإدلاء بما يفيد وجود تنازل أو صلح من طرف الضحية أو ذوييه، أو أن يقوم المحكوم عليه بتعويض أو إصلاح للأضرار الناتجة عن الجريمة.

ومبلغ الغرامة اليومية يتحدد في مبلغ ما بين 100 و2000 درهم، عن كل يوم من العقوبة الحبسية المحكوم بها، وتراعي في ذلك المحكمة في تحديد الغرامة اليومية لإمكانيات المحكوم عليه المادية أو ذويه.

في حين أن المحكمة لم تراعي في نفس الوقت لإمكانيات الضحية، ومعاناته المادية والنفسية عن الفعل الجرمي المرتكب.
بل إن ما يزيد الطين بلة أن المشرع سمح للمحكوم عليه بإداء مبلغ الغرامة ضمن أجل طويل تم تحديده في 6 أشهر من تاريخ صدور المقرر التنفيذي، كما منحه كذلك إمكانية تمديد هذا الأجل (ستة أشهر) لمدة مماثلة مرة واحدة وذلك بقرار صادر عن قاضي تطبيق العقوبات وذلك بناء على طلب إما من المحكوم عليه أو من له مصلحة بشأن ذلك.

وفي ظل هذه الامتيازات التي يستفيد منها الطرف المحكوم عليه الذي ارتكب الفعل الجرمي فإنه لم يجعل المشرع لها مقابلا للضحية، حتى يحس هذا الأخير بأنه هو كذلك طرف في القضية مما ينبغي له أن يستفيد كذلك من المحاكمة العادلة.

2- ارتفاع التكلفة المالية

إذا كان السجين يتطلب تكلفة مالية يومية من حماية وغذاء ومبيت وعلاج وإصلاح وتأهيل، فإنه في ظل الوقت الذي يستفيد فيه المتهم من ضمانات حقوق الإنسان ومن كل التكاليف السالف ذكرها، فإنه بمقابل ذلك يبقى الضحية في تلك الحالة واقفا موقف المتفرج، بحيث يحس بأنه شخص غريب منطوي على نفسه، يغالب صمته ويغالب أفكاره، وقد يصل الى أمراض نفسية يمكن أن تصل الى حد الاكتئاب،

من شأنها أن تفقده السيطرة على نفسه وتخرجه عن وعيه، مما يدفعه بذلك الى الانتقام والعدالة الخاصة به نظرا لإحساسه بالاحتقار والقهر، مما ينتج عن كل ذلك صناعة فاعل قد يرتكب أفعالا جرمية شنيعة وأشد خطورة.

2- اكتظاظ السجون

إن مسألة اكتظاظ السجون لا يجب أن يكون على حساب حقوق الضحايا وعلى حساب الضحية لأنها تدابير تدخل في إطار السياسات العمومية للحكومة، وبالتالي فإن إضفاء الطابع الإنساني على السياسات الجنائية يجب من خلاله مراعاة مصلحة كل من الهتهم والضحية معا.

فلا ينبغي بذلك تغليب جانب على آخر، ولا تغليب جهة على جهة أخرى، فبما أن من خصائص القاعدة القانونية أنها عامة ومجردة واجتماعية تطبق على الجميع بدون استثناء فمن حيث مغزاها ومضمونها أنها قاعدة عادلة، فكما أن المتهم من حقه أن يحاكم محاكمة عادلة فإنه من العدل كذلك أن يعوض المجني عليه(الضحية) تعويضا عادلا على الأقل "أنظر الفصل 119 من الدستور "2011.

والعقوبات البديلة في هذه الحالة توحي بالنسبة للضحايا أن المحكمة لم تعد مرفقا للزجر والردع والخوف، وإنما ستعد بمثابة مؤسسات إدارية تعقد صفقات وابرام عقود مع المتهم من أجل تأهيله وإصلاحه وإرجاع حقوقه.

وتوحي هذه العقوبات البديلة الى أن الغاية منها هو تسهيل الإفلات من العقاب، وهدم الغاية من العقوبة القائم على الردع والزجر.

وبالتالي فإن الوظيفة الجديدة للعقوبة ونقلها من عقوبة قائمة على الردع الى التأهيل والادماج والإصلاح، فإنه ينبغي أن تراعى في ذلك مصلحة طرف آخر وهو الضحية، ولا يتبغي أن يترك ليعيش في دهشة وذهول مما قد يتسرب اليه من شكوك في مصداقيته للعدالة، وفي مؤسسة المحكمة والقضاء بصفة خاصة.

تعليقات