أهم مستجدات القانون 95.17 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية
لقد صدر القانون 95.17 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية يوم 23 شوال 1443 الموافق ل 24 ماي 2022، وتم نشره بالجريدة الرسمية عدد 7099 الصادرة يوم 13 ذو القعدة 1443 الموافق ل 13 يونيو 2022.
![]() |
أهم مستجدات القانون 95.17 المتعلق بالتحكيم والوساطة الاتفاقية |
وتنص الفقرة الأولى من المادة 105 من القانون السلف ذكره، مع مراعات مقتضيات المادة 103، أن هذا القانون يدخل حيز التنفيذ في اليوم الموالي من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية، فيكون بذلك تاريخ يوم 14 يونيو 2022 هو تاريخ دخول القانون 95.17 حيز التنفيذ.
ما هو القانون رقم 95.17؟
إن هذا القانون هو قانون خاص بالتحكيم والوساطة الاتفاقية، والمشرع أخرج مقتضياته من قانون المسطرة المدنية بعد تحيينها وإدخال مجموعة من التعديلات اللّازمة عليها من أجل مواكبة المستجدات التي عرفتها التجارة الدولية، كما أن هذا القانون هو نتاج طبيعي لمسيرة تميز بها التشريع المغربي في مجال التحكيم.
التطور التاريخي لمجال التحكيم في المغرب
يعتبر المغرب من بين البلدان التي تبنت سياسة "الحلول البديلة لفض النزاعات"، وهو الامر الذي جعله يقوم بتنظيم التحكيم لأول مرة في قانون المسطرة المدنية، والذي صدر آنذاك يوم 12 غشت 1913 في بابه العاشر، خصص له الفصول من 527 الى الفصل 543، بحيث تناولت هذه الفصول الإجراءات المتعلقة بالتحكيم الداخلي.
ففي إطار الإصلاح القضائي سنة 1974، صدر آنذاك ظهير شريف بمثابة قانون يوم 28 شتنبر 1974 صادق على القانون المتعلق بالمسطرة المدنية والذي جاء متضمنا في بابه الثامن مسطرة التحكيم في الفصول من 305 الى 327.
إلا أنه ظهرت فيه آنذاك عدد من الثغرات التي كان ينبغي سدها، بحيث أنه لم يتطرق للوساطة باعتبارها وسيلة بديلة لفض المنازعات وإنما اكتفى فقط بمعالجة التحكيم الداخلي دون التحكيم الدولي.
بطبيعة الحال هذا لم يكن مستغربا لأن الدول الغربية بنفسها لم تعتمد هذا التصنيف في قوانينها آنذاك، فالتشريع الفرنسي مثلا: لم يعتمد التمييز بين التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي إلا خلال لسنة 1981.
مما فتح الباب أمام العمل القضائي من أجل سد ذلك النقص من خلال اعتماده الاتفاقيات الدولية والإقليمية والثنائية التي صادق عليها المغرب وطبق مقتضياتها على النزاعات المعروضة عليها، خوصا فيما يتعلق بمسألة الاعتراف بالأحكام التحكيمية الأجنبية الدولية وتذييلها بالصيغة التنفيذية.
وبعدها كان لابد من الاهتمام بمسألة التحكيم الدولي، خصوصا وأن المغرب بالنظر لموقعه الجغرافي كان يطمح الى أن يؤدي دورا مميزا في علاقات التجارة الدولية، فتم بصدد ذلك تعديل المقتضيات القانونية المنظمة للتحكيم في قانون المسطرة المدنية، وذلك بسن قواعد جديدة تنظم التحكيم الدولي والوساطة الاتفاقية.
فصدر بذلك القانون رقم 08.05 القاضي بنسخ وتعويض الباب الثامن بالقسم الخامس من قانون المسطرة المدنية من خلال مقتضى الفصول من 306 الى 70-327.
وبعد مرور أزيد من 10 سنوات على صدور هذا القانون، قام المغرب بخطوة إضافية في مجال تسوية المنازعات والتحكيم التجاري الدولي من خلال إصداره لمقتضيات تنظم "التحكيم والوساطة الاتفاقية" ضمن القانون المنظم للمسطرة المدنية وذلك بعد تحيينها وإدخال التعديلات اللازمة عليها، وإصدار قانون جديد منظم للتحكيم والوساطة الاتفاقية.
مستجدات القانون رقم 95.17 المنظم للتحكيم والوساطة الاتفاقية
بما أننا بصدد إبراز أهم المستجدات المتعلقة بقانون التحكيم الجديد سواء على صعيد التحكيم الداخلي أو الدولي، كما ينبغي التأكيد على أن هذا القانون أنه على الرغم من أنه أتى بتغييرات جوهرية في بعض الأحيان، إلا أنه ظل محافظا على نطاق تطبيق مقتضيات نفس المقتضيات من حيث الزمان.
يمكنكم الاطلاع على القانون الجديد المنظم للتحكيم والوساطة الاتفاقية أسفله
وبإمكانكم تحميل الملف على شكل pdf على الرابط التالي:
وقد جاء القانون المنظم للتحكيم والوساطة الاتفاقية الجديد على قسمين، بحيث خص القسم الأول بالتحكيم والمتضمن للأبواب التالية:
- الباب الأول: التعريف بالقواعد العامة؛
- الباب الثاني: التحكيم الداخلي؛
- الباب الثالث: التحكيم الدولي.
كما خصص هذا القانون القسم الثاني فيما يتعلق بالوساطة الاتفاقية.
مستجدات في التعريف والقواعد العامة
لقد جاءت عدة تعريفات بمقتضى المادة الأولى من القانون الجديد كما يلي:
رئيس المحكمة المختصة
عرفته المادة الأولى بأنه هو رئيس المحكمة الابتدائية أو رئيس المحكمة الابتدائية الإدارية، أو رئيس المحكمة الابتدائية التجارية، أو من ينوب عنه، وبعد دخول قانون التنظيم القضائي رقم 38.15 حيز التنفيذ أصبح رئيس القسم المتخصص _ولو لم يتم ذكره بشكل صريح في المادة الأولى من قانون التحكيم الجديد_ مختصا في ممارسة الاختصاصات المخولة لرئيس المحكمة المختصة، كإضفاء الصيغة التنفيذية على الأحكام التحكيمية، وذلك انسجاما مع قانون التنظيم القضائي السالف ذكره.
اتفاق التحكيمعرف القانون الجديد "اتفاق التحكيم" على أنه التزام الأطراف باللجوء الى التحكيم قصد حل نزاع نشأ أو ينشأ على علاقة قانونية، تعاقدية أو غير تعاقدية، وأوجب أن يكون مكتوبا وحدد أشكال هذه الكتابة، حيث أضاف في الفقرة الثانية من المادة الثانية إمكانية جديدة لإبرام اتفاق التحكيم وهي بموجب رسالة الكترونية، انسجاما بذلك مع مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 440 من قانون الالتزامات والعقود.
شرط التحكيم
بينما اقتصر قانون المسطرة المدنية في الفصل 318 القديم على اعتبار شرط التحكيم اتفاقا مستقلا عن شروط العقد الأخرى، جاء هذا القانون الجديد(القانون رقم 95.17) ليؤكد هذا المبدأ في مادته الثامنة، ليضيف في المادة التاسعة أن تقديم أي دعوى أمام المحكمة المختصة أو إثارة أي دفع ببطلان العقد الأصلي أو إبطاله أو فسخه أو إنهائه لأي سبب لا يترتب عنه وقف إجراءات التحكيم الجارية.
بالإضافة الى أنه أعطى للهيئة التحكيمية صلاحية الفصل في مدى صحة العقد الأصلي أو بطلانه، بمعنى أن صدور قرار من هيئة التحكيم على أن العقد الأصلي لاغٍ أو باطل لأي سبب، ولا يترتب عليه بطلان شرط التحكيم بقوة القانون.
الحصانة المحدودة للمحكم
لم يحدد القانون 95.17 الجديد أي شروط خاصة بالمحكمين، كما أنه كذلك لم يخضع المحكم لرقابة أي جهة قضائية، على عكس مقتضى في الفصل 321 من القانون القديم.فهذا القانون الجديد قام بإلغاء تلك الرقابة واشترط فقط أن يكون المحكم مسجلا ضمن قائمة المحكمين، وهي قائمة تقوم بتحديد كيفيات مسكها وشروط التسجيل فيها والتشطيب منها بمقتضى نص تنظيمي، مع التأكيد على أن قائمة الأسماء المقترحة هي على سبيل البيان فقط، ما دام إمكانية الأطراف ورئيس المحكمة المختصة تعيين الهيئة التحكيمية خارج القائمة السالف ذكرها.
مستجدات في التحكيم الداخلي
نظم المشرع المغربي التحكيم الداخلي بشكل دقيق، وأتى بمزايا عديدة كان الهدف منها هو تبسيط وتسريع إجراءات التحكيم، وقد اتى هذا القانون الجديد من لكي يساهم فعليا في الحافظة على هذا الدور البارز وتطويره، ويتجلى ذلك من خلال إدخاله لبعض التعديلات المهمة على هذه الإجراءات والجهة المانحة للصيغة التنفيذية.
سير إجراءات التحكيم
فبعد تأكيد المشرع المغربي بمقتضى المادة 33 من القانون الجديد على مبدأ حرية الأطراف في الاتفاق على الإجراءات الواجب اتباعها من قبل الهيئة التحكيمية، وفي حالة عدم الاتفاق فقد أعطى للهيئة المذكورة مهمة إجراء التحكيم وفق الطريقة التي تراها مناسبة مع مراعاة أحكام هذا القانون.
كما أنه كذلك أضاف فقرة ثانية جديدة أعطى بمقتضاها للهيئة التحكيمية إمكانية تعديل الإجراءات التي سبق لها تحديدها أثناء سريان المسطرة.سير إجراءات الدعوى
لقد قام المشرع المغربي بخطوة إضافية كذلك في مجال سير إجراءات الدعوى من طرف الجهة المختصة سواء عند منح الصيغة التنفيذية للحكم التحكيمي الداخلي أو الدولي، أو بمناسبة الفصل في بعض الصعوبات التي تطرأ اثناء إجراءات التحكيم وأخذ بشأن ذلك بالمبادئ التالية:
- مبدأ التوجيهية: وهو الذي يدخل ضمن إطار حقوق الدفاع المكفولة بمقتضى القانون للمتقاضين، بحيث نص على ضرورة توجيه الاستدعاء للأطرافقبل صدور الحكم.
- الفصل في الدفع بعدم القبول: ويتم إثارته في حالة عدم وجود اتفاق التحكيم أو مسطرة جارية للتحكيم بحكم مستقل قبل الفصل في الموضوع، وهذا الحكم المستقل لا يقبل الطعن إلا مع الحكم الصادر في الموضوع.
- النفاد المعجل: والمقصود من تطبيق القواعد المتعلقة بالتنفيذ المعجل للأحكام القضائية على الأحكام التحكيمية، هو أن محكمة الاستئناف ليست مختصة للنظر فقط في طلب إيقاف التنفيذ وفقا للفصل 147 من ق م م، وإنما النظر أيضا في طلب وقف التنفيذ.
- حجية الشيء المقضي به: لقد اعترف به القانون الجديد بصرف النظر عن طبيعة النزاع الذي تم الفصل فيه، وجاء ذلك بعدما ألغى الفقرة الثانية من الفصل 26/327 القديم التي كانت لا تعترف بحجية الشيء المقضي به للحكم التحكيمي الفاصل في النزاع الإداري.
توحيد الجهة المانحة للصيغة التنفيذية
لقد وحد قانون 95.17 الجهة المختصة في منح الصيغة التنفيذية للأحكام التحكيمية حسب موضوع النزاع في رئيس المحكمة حسب اختصاصه، والذي قد يكون إما:
- رئيس المحكمة الابتدائية: إذا كان موضوع النزاع مدنيا.
- أو رئيس المحكمة الابتدائية التجارية: إذا كان موضوع النزاع تجاريا.
- أو لرئيس المحكمة الابتدائية الإدارية الذي سينفذ الحكم التحكيمي في دائرتها حالما تعلق الأمر بنزاع يكون أحد أطرافه من أشخاص القانون العام.
- أو رئيس المحكمة الابتدائية الإدارية بالرباط عندما يكون تنفيذ الحكم التحكيمي يشمل مجموع التراب الوطني.
مستجدات في التحكيم الدولي
يتضح من خلال قراءتنا للقواعد الجديدة التي أتى بها القانون الجديد التي نظمتها المواد من 71 الى 85 المتعلقة بالتحكيم الدولي، أنه حافظ على على الأسلوب التشريعي القديم، بحيث اشتملت قواعده التحكيم الدولي الصادر خارج المغرب والتحكيم الدولي الصادر داخل المغرب.
في حين يجب أن تكون القواعد المنظمة للتحكيم الدولي الصادر خارج المغرب منظمة بشكل مستقل وذلك لرفع أي شك أو التباس بشأن نطاق تطبيق مقتضياته على كل من التحكيم صادر داخل والصادر خارج المغرب.
من حيث إضفاء الوصف الدولي على الحكم التحكيميهنا لم يأتي القانون الجديد بشأن ذلك بأي تعديل للقانون السابق بخصوص الوصف، واعتمد المعيارين السابقين نفسيهما.
- الأول اقتصادي: لما اعتبر التحكيم الدولي هو الذي يتعلق بمصالح التجارة الدولية.
- الثاني جغرافي: عندما يكون لاحد أطرافه على الأقل موطن أو مقر بالخارج وفقا لما جاء في المادة 72 من هذا القانون.
لم تاتي المادة 77 بأي جديد، بل إنها حافظت على وحدة الجهة المختصة لإضفاء الصيغة التنفيذية على الحكم التحكيمي الدولي في رئيس المحكمة التجارية التي صدر بدائرتها الحكم التحكيمي الدولي الصادر بالمغرب ما لم يكن مخالف للنظام العام الوطني أو الدولي، أو التبع له مكان تنفيذ الحكم التحكيمي الدولي الصادر خارج المغرب.
طرق الطعن في مجال التحكيملقد عالج القانون الجدد المسألة المتعلقة بطرق الطعن ضد الأحكام التحكيمية وفقا ما يلي:
في الطعن بالبطلان
ففيما يخص تحسين أجل الطعن ضد الحكم التحكيمي فقد جاء القانون الجديد في ماته 83 التي نص من خلالها على أن يبدأ سريان أجل الطعن بالبطلان من تاريخ تبليغ الحكم التحكيمي، دون أن يكون الطرف الذي يقوم بمهمة التبليغ في حاجة الى الحصول مسبقا على الصيغة التنفيذية.
وبشأن مسألة الطعن التعسفي فقد أضاف هذا القانون الجديد في مادته 64 فقرة جديدة تنص على أن محكمة الاستئناف المختصة التي قضت برفض دعوى البطلان أو بعدم قبولها وتبين لها أن الطعن بالبطلان قد قدم بشكل تعسفي، حكمت على الطاعن بتعويض عن الضرر لفائدة المطعون ضده لا يقل عن 25% من قيمة المبلغ المحكوم به في الحكم التحكيمي.
فيكون بذلك المشرع قد كرس فكرة نهائية الحكم التحكيمي، من أجل الحد من إمكانية اللجوء الى القضاء الرسمي من أجل تسوية المنازعات موضوع التحكيم.
الطعن بإعادة النظر
لقد سار هذا القانون الجديد على نهج التشريع الفرنسي بحيث منح الاختصاص للنظر في إعادة النظر في الحكم التحكيمي الداخلي الى محكمة الاستئناف الختصة التي كانت ستنظر بالقضية في حالة عدم وجود اتفاق التحكيم وذلك طبقا للشروط المحددة في قانون المسطرة المدنية، بدل المحكمة الابتدائية التي كانت مختصة في ظل مقتضى النص لقديم.
ويتضح لنا من خلال ذلك أن المشرق قد سوى بين دعوى البطلان ودعوى إعادة النظر من حيث الجهة المرفوع إليها النزاع بحيث جعلها محكمة الاستئناف المختصة.
تعرض الغير الخارج عن الخصومة
هنا لم يأت القانون 95.17 بأي جديد بالنسبة للتعرض، بل إنه حافظ على الجهة المختصة نفسها والمكلفة بمهمة الفصل فيها وهي المحكمة الابتدائية ذات الولاية للفصل في النزاع في حالة عدم الاتفاق.
الوساطة الاتفاقية
إن الوساطة الاتفاقية باعتبارها آلية من آليات تسوية النزاع بموجب القانون الجديد رقم 95.17 بمقتضى المواد من 86 الى 100، بحيث أجاز من خلالها المشرع للأطراف من أجل تجنب أو تسوية نزاع فيما بينهما، الاتفاق على تعيين وسيط مكلف بتسهيل إبرام صلح لإنهاء النزاع.إلا أنه باستقرائنا للقواعد المنظمة للوساطة الاتفاقية يتضح لنا أنه لم يحصل أي تعديل جوهري على القواعد السابقة، سواء من حيث الشروط المطلوبة لإبرام اتفاق الوساطة أو من حيث الإجراءات التي يقوم بها الوسيط. باستثناء بعض الإضافات البسيطة مثلا كإمكانية إبرام اتفاق الوساطة برسالة الكترونية معدة وفقا للنصوص القانونية الجاري بها العمل.