أهم متطلبات تطبيق عقوبة السوار الإلكتروني
✍ بعد تكوين فكرة على مبررات تطبيق عقوبة السوار الالكتروني والشروط المتعلقة بها في إطار مقاربةٍ مقارِنة كان الهدف منها وضع تصور الإطار القانوني الذي سيتم تنزيل فيه عقوبة السوار الالكتروني، أو الذي سبق العمل به في التجارب المقارنة.
![]() |
متطلبات تطبيق عقوبة السوار الإلكتروني |
ولخصوصيات نظام السوار الالكتروني فالإطار القانوني وحده ليس كافيا لتطبيقه، بل لابد من توفر تجهيزات وموارد بشرية وبنيات تحتية وتقنية كاملة للتنزيل الفعلي لنظام السوار الالكتروني.
ووعيا بما تقدم، يتطلب دراسة تنزيل عقوبة السوار الالكتروني في المغرب، التطرق أولا للتكلفة الاقتصادية والتقنية للسوار الإلكتروني الضرورية لتنزيل وتشغيل نظام السوار الالكتروني، بالإضافة إلى المتطلبات السوسيوثقافية لتطبيق عقوبة السوار الإلكتروني.
التكلفة الاقتصادية والتقنية للسوار الإلكتروني
تتميزعقوبة السوار الالكتروني بضرورة توفر بنية تحتية متكاملة لإمكانية تدبيرها، وهو ما يشكل تكاليف اقتصادية على الدولة أن تتحملها لتنزيل هذه العقوبة على أرض الواقع، وبالتالي يمكن دراسة هذا العنوان من منظوري كل من:
- التكلفة الاقتصادية للسوار الإلكتروني.
- بالإضافة إلى المتطلبات التقنية والمؤسساتية للسوار الإلكتروني.
1- التكلفة الاقتصادية للسوار الإلكتروني
انطلاقا من التجارب المقارنة، يتضح أن التكلفة الاقتصادية لنظام السوار الالكتروني لا تتحملها الدول، بل هي تكلفة باهظة تقع على عاتق المحكوم عليه.
🔍 التكلفة الاقتصادية للسوار الالكتروني بالنسبة للمحكوم عليه
بالنظر إلى تجارب الدول التي تعمل مسبقا بالسوار الالكتروني، يظهر أنها تفرض مصاريف على المحكوم عليهم الذين يقبلون بعقوبة المراقبة الإلكترونية وارتداء سوار إلكتروني، حيث وأنه يلتزم المحكوم عليه بتأدية رسوم تختلف من نظام لآخر ومن منطقة لأخرى. ولابد من افتراض أن الدولة المغربية ستسلك نفس الطريق خصوصا للإمكانيات الضعيفة للمغرب.
وفي هذا الإطار بالنظر لبعض المناطق في الولايات المتحدة الأمريكية في إحصائية صادرة سنة 2022، فمثلا: بعض المؤسسات في "ولاية ألاباما" تفرض مبلغ يومي قدره 8 دولارات للاستفادة من السوار الالكتروني والخدمات المرفقة له.بالإضافة إلى 50 دولار كثمن تثبيت السوار الإلكتروني في جسم المحكوم عليه؛ في حين "ولاية تكساس" مثلا: التي هي من الولايات الغنية تفرض تأدية مبلغ 270 دولار لجهاز موجات الراديو أو 300 دولار بالنسبة للسوار الالكتروني المزود بجهاز تحديد المواقع حسب النوع الذي اختاره المعني بالأمر أو الذي توفره المؤسسة.
ولابد من التذكير أن هذه دول والمناطق مصنعة لهذه الأجهزة، ما يساهم في تخفيض تكلفتها، بل أن بعض السجون في الولايات المتحدة هي من تصنع أجهزة السوار الالكتروني أو بعض المعدات الخاصة بها في إطار ما يسمى ب (PI -lndustries Prison) ما يساهم أكثر في تخفيض تكلفتها.
وهنا يطرح سؤال هذه التكلفة بالنسبة لدولة مثل المغرب غير مصنعة لهذه الأجهزة، ستكون ملزمة باستيرادها وهي تعاني من ارتفاع مستحقات الجمارك على السلع المستورد، بالإضافة تكاليف أخرى وهامش الربح الذي يجب أن تستفيد منه الدولة المغربية، والمقاولات التي ستتعاقد معها لاستيراد هذه الأجهزة، وإشكالات أخرى لن تزيد إلا من التكلفة النهائية للاستفادة من عقوبة السوار الالكتروني.
والمشرع لم يحدد التكاليف التي سيدفعها المستفيد من السوار الالكتروني، فقط نص في الفصل 647-13 من القانون 43-22 على أنه تحدد بنص تنظيمي كيفيات تدبير القيد الإلكتروني والمصاريف التي يمكن فرضها على المحكوم عليه بهذا الخصوص.
وهو شيء طبيعي لأن الدولة المغربية في بداية تجربة هذا النظام، ولابد من دراسة تقنية واقتصادية لتتمكن من توقع النفقات وكيفية استخلاص التكاليف التي ستفرض على المستفيدين من السوار الالكتروني لتغطية التكاليف الاجمالية الخاصة به.
🔍 التكلفة الاقتصادية للسوار الالكتروني بالنسبة للدولة
في تقرير صادر عن ولاية كاليفورنيا، تم التوصل بموجيه أن التكلفة اليومية للسوار الإلكتروني في إطار المراقبة تصل ل 35.96 دولار في مقابل 27.45 كتكلفة يومية للمراقبة التقليدية.
وبالتالي تم التوصل إلى ان المراقبة الالكترونية باستعمال السوار الالكتروني ونظام تحديد المواقع أكثر تكلفة من المراقبة العادية التي تكون في حالة الوضع تحت المراقبة (Probation)، لكن تبقى المراقبة الالكترونية أكثر فعالية إذ أنه لوحظ انخفاض بنسبة 12 في المنة في نسبة الاعتقالات للأشخاص الموضوعين تحت المراقبة.
- وفي إحصائية شملت الولايات الخمسين ل و.م.أ سنة 2015، يوجد أكثر من 131 ألف شخص خاضع لعقوبة السوار الالكتروني، والأرقام في ارتفاع كبير كل سنة "2، وبالتالي، على صعيد الدولة الفيديرالية ككل، تكلف عقوبة السوار الالكتروني الولايات الخمسين مجتمعة نفقات تصل 9.3 مليار دولار، 2.8 مليار دولار منها تذهب للإصلاحات والخروقات التي تتم على مستوى الأجهزة المستعملة في هذه العقوبة.
- أما في الجزائر، وفق الإحصائيات التي تضمنها مشروع قانون المالية لعام 2018، والتي كانت سنة بداية تطبيق هذا النظام، أشارت إلى أن الوزارة خصصت للمديرية العامة لإدارة السجون واعادة الإدماج 355.603200.00 دينار جزائري أي ما يعادل (296.336.000 دولار) أي بزيادة تصل إلى902.140.000 دينار جزائري (751.783.333 دولار) ما يمثل ارتفاعا ب 2.6% مقارنة بعام 2017.
- فقد أكدت المكلفة بالإعلام في وزارة العدل بأن السوار الإلكتروني لم تتجاوز تكلفة مشروعه 100 مليون دينار جزائري أي ما يعادل (833.333 دولار) وهي قليلة مقارنة بالدول الأخرى نظرا لعدم استفاد أعداد كبيرة من هذه العقوبة.
- وبالنسبة للدولة المغربية، فهي لم تبدأ بتطبيق هذه العقوبة بعد، والراجح أنه ستكون مكلفة كونها نظام معقد يتطلب بنيات تحتية وتقنية وموارد بشرية كبيرة.
وقد صرح السيد "هشام ملاطي" على أن هناك سباقا مع الزمن على مستوى الوزارة والمصالح الأخرى المختصة من أجل الاستعداد اللوجيستي والتشريعي لتفعيل السوار الالكتروني، وأضاف أن هناك مجموعة من اللقاءات مع شركات متخصصة في اعتماد السوار الالكتروني.
وبالاطلاع على مشروع قانون المالية لسنة 2025 فلا يظهر اثار للاستعداد لتنزيل هذه العقوبة خصوصا ما سيتطلبه من ميزانية كبيرة، فعدد المناصب المقرر لإدارة السجون وإعادة الإدماج تبقى 1000 منصب مثل سنة 2024، رغم الموارد البشرية الهائلة الذي سيتطلبه تنزيل نظام السوار الالكتروني خصوصا التابعين لمؤسسات العقابية التي جعل منها المشرع الجهة الأساسية لتتبع وتنفيذ هذا النظام.
أما بالنسبة لنفقات التسيير والاستثمار في مشروع قانون المالية 2025 لم تزد على السنة الماضية إلا بارتفاع طفيف. كما أنه يلاحظ عدم متح أي حساب خصوصي تابع للمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج الذي من الممكن أن يساعد في تغطية النفقات أو تدبير نظام السوار الإلكتروني.
وبالتالي يطهر أن التكاليف التي تتوقعا الدولة لتنزيل نظام السوار الالكتروني تبقى مبهمة إلى حين الافراج عنها.
على أي، فمهما ارتفعت تكلفة السوار الالكتروني، وإن تحملت الدولة تكلفة استيرادها وتدبيرها، فهي بالأخير ستسترجع ما دفعته من التكاليف حيث ستلزم ستلزمها على المحكوم عليهم بهذه العقوبة دفعها، ويبقى للدولة فقط تمويل جزء بسيط من هذا النظام لن يشكل عبئ كبير لميزانية إدارة السجون.
بعد دراسة التكلفة الاقتصادية للسوار الالكتروني سواء بالنسبة للمحكوم عليه أو بالنسبة للدولة، يطرح سؤال علاقتها بتخفيض تكاليف المرصودة لإيواء السجناء أو المعتقلين، والتي يقدر على انها تناهز 80 درهم للفرد يوميا.
في حين أنها تصل ل 80 أورو في فرنسا يوميا، وهو فرق هائل حيث تمثل تكلفة الإيواء في المغرب عشر نظيرتها في فرسا، في حين ان تكلفة السوار الإلكتروني في فرنسا تصل الى قيمة تتراوح بين 10 و15 أورو.
وبالتالي إن تم مقارنة 80 (تقريبا 8 دولار) درهم التكلفة اليومية لإيواء السجناء والمعتقلين، مقابل 15 أورو/دولار (تقريبا 150 درهم) التكلفة اليومية للسوار الالكتروني والتي تصل ل 36 دولار (ما يقارب 360 درهم مغربي) في بعض الولايات الغنية ب و.م.أ، يطرح سؤال أي دور لعقوبة السوار الالكتروني في تخفيض تكاليف السجون والاعتقال؟
ولعل الجواب أن بالنسبة لعقوبة السوار الالكتروني سيتحملها المحكوم عليه بينما ستعفى منها الدولة ودافعي الضرائب، وهو ما يمثل خفض التكاليف المتحدث عنها كأثر إيجابي لهذه العقوبة والمبرر الاساسي في تبنيها.
وهو ما يدخل أيضا في إطار تثمين العقوبة، الذي يتم بموجبه نقل المحكوم عليه من مستهلك لأموال دافعي الضرائب في السجن لشخص منتج تستفيد منه الدولة والمجتمع.
2- المتطلبات التقنية والبشرية للسوار الإلكتروني
ترتبط التكلفة الاقتصادية للسوار الالكتروني بتوفير التجهيزات اللازمة لعمل نظام السوار الالكتروني وتجهيز البنية التحتية الخاصة به، ولتكوين نظرة ابتدائية عن حجم هذه التكلف، لابد بداية من معرفة كيفية عمل السوار الالكتروني، ومن ثم للمتطلبات البشرية اللازمة لتدبيره.
📌 ميكانيزمات عمل السوار الالكتروني
في الولايات المتحدة الأمريكية، تأخذ عقوبة السوار الالكتروني واحدة من الأشكال التالية:
1- جهاز متتبع يعمل بموجات الراديو | 2- السوار الالكتروني المزود بنظام تحديد المواقع (GPS) | 3- تطبيقات المراقبة التي يتم تثبيتها في الهواتف الذكية للمحكوم عليهم |
---|---|---|
مهمته التأكد من وجود المحكوم عليه في مكان محدد على الغالب ما يكون منزله، فهي تكنولوجيا فقط تؤكد للمراقبين أن الشخص المعني حاضر في المكان الذي تم تحدديه في منطوق عقوبته، وهو غالبا ما يكون مقرون بالحبس المنزلي سواء كعقوبة أو كتدبير وقائي. | يعتمد على أبراج الإشارات اللاسلكية لتشغيل الهواتف الخلوية والاقمار الاصطناعية لتتبع وتسجيل موقع المعني بالأمر، وتحركاته ونشاطاته في كل الأوقات، كما أن بعض هذه الأجهزة مزودة بنظام لاستقبال الصورة وبثها. | فهذه التطبيقات تمكن من تحديد المحكوم عليهم والتواصل بينهم وبين المراقبين دون الحاجة لارتداء أجهزة السوار الالكتروني المزودة بنظام تحديد المواقع، فهي تكنولوجيا تعتمد على البصمة الصوتية والتعريف بالوجه للتأكد من ربط هاتف المعني بالأمر بالسوار الذي يرتديه، كما أنها تكنولوجيا جديدة لاتزال تحت الدراسة والتجريب. |
كما توجد طرق أخرى لتطبيق عقوبة السوار الالكتروني في دول أخرى ومن هذه الطرق ما يلي:
- كما في فرنسا، التي أخدت بطريقة البث المتواصل، تعتمد هذه الطريقة على متبعة المحكوم عليه عبر أجهزة متصلة عن بعد بسوارإلكتروني يرتديه المحكوم عليه، يرسل السوار الإلكتروني إشارات متكررة لجهاز استقبال موصول بالخط الهاتفي في مكان إقامته، يقوم جهاز الاستقبال بإرسال إشارات إلى الأجهزة المشرفة على المراقبة الإلكترونية، فتتعرف على المكان الجغرافي للمحكوم عليه.
- بالإضافة إلى أنه يوجد طرق أخرى لتطبيق عقوبة المراقبة الإلكترونية عن طريق نداء عبرالهاتف، تتجلى فكرة هذه الطريقة في إجراء نداءات متكررة عبر الهاتف مكان إقامة للمحكوم عليه ويجب الإجابة عليها، تكون المكالمات آلية، وفي حالة عدم جواب المحكوم عليه فيعني أن المحكوم عليه خرق عقوبته.
وبالتالي باستحضار أشكال أنواع السوار الإلكتروني يطرح سؤال على ماذا ستعتمد الدولة المغربية في تطبيق هذه العقوبة على ارض الواقع، ونوع البنية التحتية والتقنية التي ستحتاجها للعمل.
فإنه بالرجوع للمادة 647-11 من القانون 43.22، نجد أن المشرع المغربي فقط نص على أن عقوبة المراقبة الالكترونية تتم بواسطة قيد الكتروني بحيث يتم وضعه بمعصم المحكوم عليه إما على ساقه أو على جزء آخر من جسده، بشكل يسمح برصد كل تحركاته داخل الحدود الترابية المحددة له.والراجح أن القيد الالكتروني المذكور في هذه المادة لن يختلف على أحد الأنواع الشائعة الاستعمال، سواء:
- السوار الالكتروني الذي يعمل بموجات الراديو.
- او المزود بنظام تحديد المواقع.
- أو تلك المرتبطة بالهواتف الذكية.
فمهما كانت فهي تحتاج لبنية تحتية خاصة ومكلفة، بالإضافة إلى موارد بشرية ومؤسسات كافية ومؤهلة لتدبيرها.
وكخلاصة، يتطلب نظام السوار الالكتروني للعمل طبقا لتجارب الدول العاملة بهذا النظام مايلي:
- جهاز الكتروني أو سوار الكتروني أو قيد الكتروني كما سماه المشرع المغربي: مصمم لإرسال إشارات إلى وحدات المعالجة قصد إخبارها بمكان المحكوم عليه خلال مدة محددة، وهو مصمم كي لا يعيق الحياة اليومية لمرتديه، بالإضافة إلى أنه مقاوم للاختراق والكشف، ومؤمن.
- جهاز استقبال وإعادة الارسال: يكون مرافق للسوار الالكتروني ومتصل به لاستقبال الإشارات التي يصدرها السوار الالكتروني وإرسالها إلى وحدات المعالجة المركزية، ويكون متصلا بدوره بخط الهاتف أو بالأقمار الاصطناعية حسب نوع التكنولوجيا المستخدمة.
- مركز مراقبة: هو المركز الذي يحتوي على وحدات المعالجة المركزية والذي يستقبل كل البيانات المرسلة من كل أجهزة السوار الالكتروني في منطقة محددة، والذي يكون حسب التجارب المقارنة في المؤسسة العقابية، وهو المركز الذي يقوم بتحليل البيانات والقيام بأولى التحركات في حالة وجود خرق للعقوبة ويرسل أعوانه للتحقق والمطاردة في حالة الهروب على سبيل المثال.
- مكتب التسيير العملياتي: مهمته تحليل تحركات المحكوم عليهم بالسوار الالكتروني والتنسيق بين الجهات المعنية.
إن فهم ميكانيزمات عمل نظام السوار الالكتروني سيمكن من معرفة البنيات التحتية والتقنية اللازمة والموارد البشرية لتدبيرها والتكاليف لتغطيتها، وللمساعدة أكثر على الفهم سيتم الاستعانة بالصور أدناه⬇.
📌 المتطلبات البشرية والمؤسساتية لتدبير نظام السوار الالكتروني
يتطلب تدبير نظام السوار الإلكتروني التوفر علي موارد بشرية ومؤسسات كافية لإنجاح هذه التجربة، ومن المشاكل التي تواجهها التجرية الأمريكية بهذا الخصوص، مشكل تداخل الجهات الساهرة على تدبير هذا النظام تعددها، فمثلا يتطلب تدبير نظام السوار الالكتروني تدخل عدة جهات مثل:- موظفي السجون ولجان الوضع تحت المراقية.
- بالإضافة الى الشرطة والشركات المفوض لها بعض مهم تدبيرالسوار الكتروني.
- ووكالات العدالة الجنائية كما تتطلب هذه الجهات تكوينات خاصة لتدبير وتطيق وتثبيت أنظمة السوار الالكتروني والأجهزة اللازمة لها.
كما تتوفر الولايات المتحدة الأمريكية علي جهات أخرى تحرص علي التطبيق الأمثل لعقوبة السوار الالكتروني تتمثل هي العمال الاجتماعيين والمراقيين المكلفين بالسوار الإلكتروني الذين تتمثل مهمتهم في إجراء زيارات منزلية للمستفيدين من هذه العقوبة للتأكد من حسن سير العقوبة وعدم وجود اختلالات بهذا الخصوص.
وبالتالي طبقا للتجارب الدول الرائدة في المجال، يتطلب من الدولة المغربية توفير موارد بشرية ومؤسسات كافية لتديير نظام السوار الإلكتروني. فطبقا للقانون 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة، في الفرع الثاني من الباب الخامس مكرر، في المادة 647-10 المعدلة لقانون المسطرة الجنائية التي تنص علي أن:
إدارة السجون هي المكلفة بتتبع وتنفيذ تدبير المراقبة الالكترونية، بالإضافة لإمكانية التدخل من قاضي تطبيق العقوبات أو وكيل الملك لتحقق من تنفيذ العقوبة.
كما سبق وأكدت المادة 647-1 باختصاص إدارة السجون مركزيا ومحليا أو من تفوض له ذلك بتتبع تنفيذ العقوبات البديلة وتوضع رهن إشارتها الوسائل اللازمة للقيام بذلك.
كما أنه من المرجح التعاقد مع شركات أجنبية لتدبيرنظام السوار الالكتروني وإجراءها لتكوينات للجهات المغربية لاكتساب التجربة والمعرفة الكافية لتدبيرالنظام المذكور.
إضافة إلى ما قيل، يطرح إشكال الموارد البشري العامل بالسجون ومدى تأهيلها وكفايتها لتدبير نظام السوار الالكتروني سواء من الناحية الفنية أوالتقنية، خصوصا وأنه يلزم موارد بشرية لتدبير نظام السوار الالكتروني عن بعد وفي الميدان والمراقبين، وهو ما يرفع تكلفة السوار الإلكتروني كما سبق دراسته.
المتطلبات السوسيوثقافية لتطبيق عقوبة السوار الإلكتروني
لم تلقا العقوبات البديلة استحسان المواطن العادي منذ ظهورها، خصوصا بسبب العقوبات ذات طبيعة مالية كالغرامة اليومية والسوار الالكتروني على الرغم من العامة من الناس لا تعلم تكلفته الباهظة، ولا يزال الظن ذاهب على أن الدولة هي من ستتكلف به، ونحن في مجتمع فقير، هش تغلب عليه الطبقة المتوسطة التي لم تعد تتحمل التكاليف المفروضة عنها.
![]() |
المتطلبات السوسيوثقافية لتطبيق عقوبة السوار الالكتروني |
والحديث في هذا الباب عميق وطويل، بحيث سنختصره في محورين، بالتطرق:
- أولا: ضرورة تأهيل بنية المجتمع لتعميم عقوبة السوار الالكتروني.
- ثانيا: ثم الانتهاء بالتطرق إلى ضرورة تأهيل الفكر المجتمعي لتقبل العقوبات البديلة.
1- ضرورة تأهيل بنية المجتمع لتعميم عقوبة السوار الالكتروني
يعتبر المغرب من المجتمعات الفقيرة التي تتوفر على بنيات ديموغرافية مهمشة وتعاني من الإقصاء (على الرغم ما تسوق له الأجهزة السياسية) والفقر، كما يعاني المجتمع المغربي من كثرة التشرد وفشل العديد في إيجاد مأوى قار ودائم، وبالتالي يطرح سؤال إمكانية تطبيق عقوبة السوار الإلكتروني بالنسبة للأشخاص بدون مأوى والمشردين.
كما يمتلك المغرب نسبة مهمة من الساكنة التي تقطن في البوادي التي تتميز بانعدام البنية التحتية أو هشاشتها.
إن من شروط إعمال عقوبة السوار الالكتروني التوفر على مسكن كما سبق الذكر عند دراسة شروط السوار الالكتروني، بل أن القانون الفرنسي سماها الحبس المنزلي تحت المراقبة الالكترونية، وهو ما أكد عليه المشرع الجزائري بصريح العبارة في المادة 150 مكرر حيث نص على أنه يشترط للاستفادة من نظام الوضع تحت المراقبة الالكترونية أن يكون الحكم نهائيا، وأن يثبت المعني مقر سكن أو إقامة ثابتا.
وتجاوزا لمشكل للتكاليف العالية لعقوبة السوار الالكتروني التي سيلزم بها المحكوم عليه للاستفادة من هذه العقوبة، يطرح سؤال مدى إمكانية استفادة الأشخاص غير المتوفرين على مسكن قار أو المشردين أو القاطنين في البوادي المعزولة؟ فهل ستوفر لهم الدولة مساكن مؤقتة لقضاء عقوبة السوار الالكتروني (إن تم افتراض أصلا أنهم قادرين على تحمل تكاليف السوار الالكتروني)؟
أم أن هؤلاء معفيون من العقوبة ومصيرهم ظلمات السجن لأنهم لا يستطيعون تحمل التكاليف وليس لدبهم مساكن قارة ومؤهلة للتوافق مع نظام السوار الالكتروني، وترك إمكانية الاستفادة من هذه العقوبة لفئة معينة تتحمل التكاليف.
وبالتالي فأنه لحسن تنزيل وتدبير عقوبة السوار الإلكتروني، لابد من تأهيل بنية المجتمع المغربي لتمكين جميع الفئات من الاستفادة من هذه العقوبة على قدم المساواة، ومن أهم ما يمكن توفيره، مساكن مؤقتة للمحكوم عليهم الذين تقدموا بطلبات للاستفادة من عقوبة السوار الالكتروني.
وهو نفس ما يقدمه بعض الولايات الأمريكية التي توفر مساكن مؤقتة للمشردين والمدمنين المحكوم عليهم بعقوبة السوار الالكتروني خصوصا في إطار الوضع تحت المراقبة (Probation) أو الإفراج المقيد بشروط. لأنه على يجب ان يمنع عدم التوفر على مسكن قار الحرمان من الاستفادة من هذه العقوبة.
2- ضرورة تأهيل الفكر المجتمعي لتقبل العقوبات البديلة
لم تلقى العقوبات البديلة بصفة عامة استحسان المجتمع المغربي خصوصا الطبقة المتوسطة والهشة منه والتي تشكل أغلب المجتمع المغرب، وذلك راجع لمجموعة من الأسباب منها كما هو موضح بالجدول أسفله:
1- التكلفة العالية لبعض هذه العقوبات البديلة: | 2- النزعة العقابية والمتشددة للمجتمع المغربي |
---|---|
- هذا بالإضافة إلى الغرامة اليومية التي تم إضافتها في القانون المغربي والتي تتراوح بين 100 و2000 درهم، وهو المبلغ الذي اثار حفيظة المجتمع المغربي لارتفاعها وإمكانية الاستفادة منها للميسورين فقط، وهو ما اصبح يعرف بشراء الحبس. - وهو نفس الشيء لعقوبة السوار الالكتروني الذي سيلزم المستفيد منها لتأدية مبالغ ستقارب أو تتجاوز تلك المقررة للغرامة اليومية، وهو مالا يعرف عامة الناس، واعتقادهم أن السوار الالكتروني سيكون بالمجان، وقد سبق تقديم دراسة تقريبية لتكلفة السوار الالكتروني بالنسبة للمستفيد بناء على تجارب الدول التي سبقت العمل بها. | - كثيرا ما يقال أن المجتمع المغربي والعربي بصفة عامة يميل للعقوبة السجنية، ويتبني النزعة الانتقامية ممن ارتكب جريمة ما، خصوصا من الضحية والموالين لها، فلا يشفي جراحهم النفسية إلا ذهاب الجاني للسجن لأكبر مدة ممكنة. |
وبالتالي يطرح سؤال ردة فعل الضحية وعائلتها ومحيطها عند رؤية الجائي حر طليق خصوصا في جرائم الاعتداء التي لم يستثنيها المشرع المغربي من الجرائم التي لا يمكن الحكم فيها بالعقولات البديلة.
فافتراض أن شخص اعتدى على ضحية بالضرب والجرح مثلا واستفاد من عقوبة السوار الالكتروني في مجال مكاني يمكن الضحية من رؤيته حر طليق، أو حتى معرفة الضحية والمحطين بها، أن المعتدي حر طريق يستمتع في منزاه، لن يكون له أثر إيجابي عليهم ومن الممكن أن تبدأ نزاعات انتقامية في هذا الإطار.
وبالتالي يتعين على الدولة المغربية لتطبيق عقوبة السوار الالكتروني أن تراعي التوجهات الفكرية للمجتمع المغربي، والعمل على تصحيحها بما يتناسب من توجهات الدولة في أنسة العقوبة وتحديث المنظومة العقابية ودمج التكنولوجيا معها.
مع احترام خصوصيات المجتمع المغربي، فالسياسات العامة الناجعة تبدأ من دراسة اجتماعية ونفسية للمجتمع الذي ستطبق فيه هذه السياسات العامة، وملائمتها بما يستجيب لتطلعات المجتمع ومولاته التاريخية والثقافية.