آثار حق الاضراب على عقد الشغل
✍الأكيد، أن ممارسة أي حق الإضراب ترتب آثارا قانونية، والإضراب بدوره لا يخرج عن هذه القاعدة، فينتج عن ممارسته آثارا مباشرة على عقود الشغل الخاصة بالأجراء المضريين، وما يستتبعها ذلك من أجر وضمانات قانونية، كما يؤثر بصفة غير مباشرة على الأجراء غيرالمضريين، الذين يجدون أنفسهم في وضعية قانونية لا تساعدهم على القيام بعملهم ونتفيذ التزاماتهم التعاقدية.
![]() |
ممارسة حق الاضراب وأثره على عقد الشغل |
وهو الأمر الأمر الذي طرح مجموعة من الإشكالات المتعددة، في ظل عدم تدخل المشرع لأجل تنظيم هذه الأثار بالشكل الذي سيحقق نوعا من التوازن بين مصلحة المقاولة، باعتبارها كيانا اقتصاديا من جهة، ومصلحة الأجراء في ممارسة حقهم في الإضراب من جهة أخرى، علما أن الفقرة 2 من الفصل 29 من الدستور، نصت مسألة اصدارقانون تتظيمي ينظم حق الإضراب.
هذا بطبيعة الحال هو ما سنحاول مناقشته في هذا الموضوع على ضوء ما جاءت به مدونة الشغل وما جاء به القانون التنظيمي رقم 97.15 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب.
كما هو معلوم، فإن الصلة التي تربط الأجير المضرب والمشغل فهي تكون إما علاقة عقدية، أو علاقة تنظيمية، تحكمها مجموعة من الشروط والالتزامات المتبادلة بين الطرفين.
فعند التزام المضرب بالشروط الموجودة في العقد، أو الشروط التنظيمية، حينها نكون أمام إضراب مشروع تنبئق عنه مجموعة من الآثار، منها عدم تأثر الصلة بين الطرفين لأي اهتزاز، أي تبقى العلاقة كما هي بالرغم من قيام الإضراب.
في حين تنحصر أثار ممارسة الإضراب على عناصر عقد الشغل، لكن، في مقابل ذلك يمكن للمشغل أن يقوم فصل الأجير من شغله جراء ممارسته لحقه في الإضراب إذا تبين له أنه قد أتى أو ارتكب أحد الأفعال التي تدخل ضمن الأفعال الجسيمة المبررة للفصل والمنصوص عليها في مدونة الشغل، وفي هذه الفقرة سنحاول الوقوف على أهم هذه الآثار.
وأمام هذا التضارب بين الطرفين فقد جعل المشرع المغربي مسألة تكييف الخطأ أنه يدخل ضمن خانة الأخطاء الجسيمة أم لا للسلطة التقديرية للقاضي الذي يستشف ذلك بناء على حيثيات ووقائع كل نازلة على حدا، وهذا ما سنحاول معالجته في الفقرة الثانية من هذا المقال.
آثار ممارسة حق الاضراب على علاقة التبعية
ينتج عن ممارسة الإضراب توقف عقد الشغل (أولا) وتوقف السلطة التأديبية للمشغل (ثانيا).
تعتبر التبعية من العناصر الأساسية المكونة لعقد الشغل، وهذا العنصر هو ما يميز عقد الشغل عن باقي العقود الأخرى المشابهة، وتجد التبعية أساسها القانوني من خلال المادة 21 من مدونة الشغل، حيث جاء فيها ما يلي:
" يمتثل الأجير لأوامر المشغل في نطاق المقتضيات القانونية أو التنظيمية، أو عقد الشغل، أو اتفاقية الشغل الجماعية، أو النظام الداخلي، ويمتثل الأجير أيضا للنصوص المنظمة لأخلاق المهنة".
كما جاء في حيثيات قرار لمحكمة النقض من خلال تحليلها للمادة السادسة من مدونة الشغل، غير أنه وإن كانت المادة السادسة من مدونة الشغل تنص على أنه:" يعد أجيرا كل شخص التزم ببذل نشاطه المهني، تحت تبعية مشغل واحد، أو عدة مشغلهن لقاء أجر(...)".
مما يعني أن الأمر في هذا الصدد يتعلق بعناصر ثلاثة:
- الأجر.
- النشاط المهني.
- علاقة التبعية.
وما دامت علاقة التبعية مرتبطة أساسا بالقيام بالمهام الموكولة للأجير، فإن السؤال الذي يطرح في الحالة التي يتوقف فيها الأجير عن تنفيذ عقد الشغل بسبب ممارسته لحقه في الإضراب.
بخصوص هذه النقطة، فإن المشرع المغريي ذهب من خلال مدونة الشغل بالنص على أن عقد الشغل يتوقف خلال مدة الإضراب، وهو نفس التوجه الذي أخذ به مشروع القانون التنظيمي للإضراب بمقتضى المادة 14 منه، حيث جاء فيها على أنه:"يعتبر الأجراء المشاركون في الإضراب في حالة توقف مؤقت عن العمل خلال مدة إضرابهم، وفي هذه الحالة لا يمكنهم الاستفادة من الأجر عن المدة المذكورة".
وبناء عليه، فلا يمكن ترتيب جزاء الفسخ بسبب ممارسة الإضراب، وهذا ما تبناه المشرع المغريي وكرسه في مدونة الشغل، وهو توجه يرمي بدوره إلى الحفاظ على استقرار الشغل، رغم كون الإضراب يتم بإرادة من الأجراء. فمن الآثار التي يولدها الإضراب، أنه يزكي شرعية الممارسة التي تبعد حق الإنهاء بسببه من طرف المشغل.
وعلى هذا الأساس زكت مدونة الشغل المفهوم اللصيق لقانون الشغل الذي يرمي إلى حماية الأجير، باعتباره الطرف الضعيف في العلاقة الشغلية،مما يطرح التساؤل التالي: هل توقف عقد الشغل أثناء الإضراب يوقف جميع الاثتزامات المرتبطة بعقد الشغل؟
وبالرجوع إلى مشروع القانون التنظيمي للإضراب، نجد أنه أغفل التطرق لمسألة أثر الإضراب على علاقة التبعية، على الرغم من أهميتها كعنصر من عناصر عقد الشغل، وإن كان بعض الفقه ذهب إلى أن ممارسة حق الإضراب يؤدي إلى توقف علاقة التبعية، نظرا لارتباطها الوثيق باستمرارية تنفيذ عقد الشغل، ما يجعل المشغل حسب هذا الرأي متحللا من كافة الالتزامات التي توقفت بسبب الإضراب.
ففي ظل قيام علاقة التبعية بين المشغل والأجير، يعتبر الطرف الأول متبوعا بالنسبة للثاني، بما يترتب عن ذلك من مسؤوليته عن الأضرار التي يحدثها هذا الأجير للغير.
إلا أن ممارسة الإضراب وما تؤدي إليه من توقف عقد الشغل، وبالتالي علاقة التبعية، تجعل المشغل كمتبوع، غير مسؤول عن الأضرار التي يحدثها الأجير المضرب للغير، لانعدام الإشراف والتوجيه والمراقبة اللذين يعتبران أهم سمات علاقة التبعية التي يخولها القانون للمشغل تجاه أجرائه.
ومما لا شك فيه أن ممارسة الإضراب تؤدي إلى توقف عقود الشغل، إلا أنه في بعض الأحيان قد تكون العقود المبرمة محددة المدة، وهو ما يثير التساؤل بخصوص أثر الإضراب عن مدة العقد، فهل يمكن للمشغل مطالبة الأجير بإتمام العمل المتفق عليه، في حالة ما إذا تزامنت فترة الإضراب مع انتهاء العقد؟
ونجد آراء في هذه المسألة كم سيتم توضيحها في الجدول التالي:
الرأي الأول | الرأي الثاني |
---|---|
- إذا كان يترتب على الإضراب وقف عقد الشغل مدة محددة، فإن مدة العقد تمتد بقدر مدة الوقوف، ومؤدى ذلك أن الوقف بسبب الإضراب له أثر تأجيلي، أو تمديدي، يستكمل المتعاقدان تنفيذ العقد بعد انتهاء فترة التوقف الذي حدث بسبب الإضراب. | - ذهب هذا الرأي الى أن عقد الشغل محدد المدة ينتهي بانتهاء مدته، حيث يحدد الأجل المتفق عليه بين أطرافه مدة تنفيذه، فالمدة التي قدرها المتعاقدان هي أقصى ما أرادا التقيد به. ومن ثم لا يمكن الخروج على هذه المدة، وإطالتها إلا بموجب نص وارد في عقد الشغل نفسه، أو بموجب نص قانوني حيث إنه بغير هذين الطرفين لا يمكن القول بإطالة مدة العقد، - كذلك يرى أنصار هذا الرأي أن وقف عقد الشغل لا يترتب عليه سوى وقف التتفيذ المادي للعمل، خلا فترة التوقف، أما حياة العقد نفسها فلا تتوقف عن السير نحو الأجل المحدد له. |
وباعتقادنا فإنه أنه مادام عقد الشغل محدد المدة، فإنه لا يجوز معه القول باستمرارية عقد الشغل لفترة التوقف بسبب الإضراب، لأن في ذلك يعتتبر مسا بإرادة العقد، وإرادة الطرفين التي اتجهت نحو تحديد مدة انتهاء العقد، بالإضافة إلا أن التوقف كان لأجل تحقيق مطالب مهنية.
غير أنه إذا كان محل العقد مرتبطا بالقيام بعمل معين داخل أجل محدد من طرفي عقد الشغل، فإن الأجير يلتزم بإتمام ما تم الاتفاق عليه، ولو بعد انتهاء عقد الشغل، مادام أن الأجير كان بإمكانه إنهاء العمل لو لم يدخل في الإضراب، خصوصا في الحالة التي يعتمد فيها المشغل على المعيار الشخصي في اختيار الأجير الكفء للقيام بذلك العمل.
آثار ممارسة حق الاضراب على السلطة التأديبية للمشغل
تتجلى أهمية دراسة حدود السلطة التأديبية للمشغل في معرفة تأثير هذه السلطة، سواء على الأجير، أو على المشغل نفسه، أو على المقاولة التي يجب إحاطتها بعناية كبيرة، وذلك لدورها الاقتصادي والاجتماعي، ولحدود آليات تطبيق هذه السلطة من طرف المشغل، وكذا الأثار التي تحدثها الأحكام القضائية في هذا الإطار على حياة الأجير الاقتصادية والاجتماعية.
وسنحاول معالجة هذه الحدود انطلاقا من إشكالية محورية، مفادها ما مدى تأثير القيود التشريعية والرقابة القضائية على سلطة المشغل التأديبية؟يستمد المشغل سلطته على الأجراء، انطلاقا من مقتضيات مدونة الشغل ومن بينها ما جاءت به المادة 21 المشار إليها أعلاه.
هذه المادة التي التي حددت مجموعة من المظاهر التي تتجلى من خلالها حدود سلطة المشغل تجاه أجرائه، في إطار تدبير مشروعه أو مقاولته، بمناسبة ممارستهم
لنشاطهم المهني أثناء تواجدهم في مقر العمل طيلة الوقت العادي الذي يفرض عليهم فيه القيام بمثل هدا النشاط، ويستردون كامل حريتهم بعد مغادرتهم للمؤسسة على إثر انتهاء الوقت المحدد للشغل.
وانطلاقا من علاقة التبعية هاته، يمكن للمشغل بسط رقابته واتخاذ كافة الإجراءات القانونية في حالة ارتكاب الأجراء لإحدى الأفعال التي تعد في نظر قانون الشغل خطا جسيما، أو في حالة مخالفة الأوامر والتعليمات التي يصدرها التشغيل.
بالإضافة إلى ذلك تنشأ سلطة المشغل انطلاقا من عقد الشغل نفسه، باعتباره عقدا يعمل بمقتضاه الأجير تحت إدارة وإشراف مشغله، ولا يستطيع هذا الأخير أن يؤدي وظيفته إلا إذا كان باستطاعته أن يحاسب من يخالف التعليمات والأوامر التي يصدرها لتحقيق هذا الغرض.
فالسلطة التأديبية التي يتمتع بها المشغل، ما هي إلا امتداد لسلطته الإدارية والتنظيمية التي تلازم صفته باعتباره صاحب المؤسسة. وبذلك كان لزاما أن يتمتع المشغل بصلاحيات واسعة في حالة إخلال الأجير بالتزاماته بالقيام بالواجبات التي يقتضيها حسن انتظام واستمرار العمل داخل المؤسسة والامتناع عن كل ما من شأنه الإضرار بها.
وهكذا، فإن الأجير يسال عن النتائج المترتبة عن عدم مراعاة التعليمات والأوامر التي يتلقاها من مشغله:- إذا كانت صريحة، وغير مخالفة للنصوص القانونية أو التنظيمية.
- إذا كانت غير مخالفة لبنود عقد الشغل، أو اتفاقية الشغل الجماعية، أو النظام الداخلي.
- إذا لم يكن له مبرر وجيه يدعوه لمخالفتها.
غير أن اتخاذ الجزاءات التأديبية في حق الأجراء لا تكون متاحة في جميع الأوقات، حيث نجد أن توقف عقد الشغل بصفة قانونية يغل يد المشغل في اتخاذ كافة الجزاءات التأديبية المنصوص عليها قانونا.
⬇⬇ القانون 97.15 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب ⬇⬇
ولعل ممارسة الحق في الإضراب، من أبرز الحالات التي يتمتع فيها الأجير المضرب بحماية قانونية خاصة، والتي ينتج عنها بصفة مباشرة حرمان المشغل من بسط سلطته التأديبية على المضربين.
وهو ما تبناه مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب بمقتضى المادة 11 منه التي منعت على المشغل اتخاذ أي إجراء تمييزي في حق الأجراء بسبب ممارستهم حق الإضراب، من شأنه خرق مبادئ تكافؤ الفرص والمساس بالضمانات الممنوحة لهم والمتعلقة على الخصوص بحقوقهم ووضعياتهم ومسارهم المهني.
وما يستفاد من مقتضيات المادة 11 أن واضعي القانون التنظيمي للاضراب منعوا المشغل من اتخاذ أي إجراء تأديبي في حق الأجير بسبب الإضراب تحت طائلة اعتباره تعسفيا.ولعل التوجه التشريعي في هذه النقطة نابع من صميم الحماية التي وضعها للأجراء للمضربين، وهو ما يظهر من خلال المادة 32 من مدونة الشغل، التي جعلت الإضراب من بين الأسباب المبررة لتوقف عقد الشغل. ما يعني التوقف عن إحداث كافة الآثار القانونية الناجمة عن عقد الشغل.
وهو نفس التوجه الذي أخذ به القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب من خلال المادة 14 منه، التي جعلت الأجراء المشاركين في الإضراب في حالة توقف مؤقت عن العمل خلال مدة إضرابهم.
ومن أجل تكريس هذه الحماية، يتضح أن الفقرة الأخيرة من المادة 42 من مدونة الشغل قد جعلت قرارات المشغل في إطار ممارسة سلطته التأديبية خاضعة للرقابة القضائية فيما يرجع لمدى ملاءمة العقوبة التأديبية للخطأ، وهذا ما دأبت عليه محاكم الموضوع.
وبالتالي يمكن القول بأن المشغل له صلاحية اختيار العقوبة المناسبة للخطأ المرتكب، فهو صاحب السلطة التأديبية، التي لا يحد منها سوى ملاءمة العقوبة للخطأ المرتكب.
وتجدر الإشارة إلى أن توقف السلطة التأديبية للمشغل في مواجهة أجرائه لا يشمل الأخطاء الجسيمة، وإنما ينحصر فقط في الأخطاء اليسيرة التي لا تلحق أضرارا بالمشغل.
فممارسة حق الاضراب، لا تكون مطلقة ودون قيود، بل قد تقترن ممارسته بارتكاب الأجير المضرب لبعض الأخطاء الجسيمة التي تفرغ هذا الحق من نطاق المشروعية، وهذا ما يخول للمشغل اتخاذ كافة الجزاءات التأديبية في حقه.
الأخطاء الجسيمة المؤثرة على مشروعية حق الإضراب
تتطلب ممارسة الحقوق بصفة عامة ممارستها دون تعسف، فلا شك أن الحماس والرغبة الزائدة التي تتولد لدى الأجراء المضريين لأجل الضغط على المشغل قد تؤدي إلى صدور بعض الأخطاء الجسيمة التي تؤثر على مشروعية الإضراب.
![]() |
آثار ممارسة حق الإضراب |
وسيتم الحديث في هذا الصدد عن حدود سلطة المشغل في فصل الأجير المضرب من جهة، ثم بعدها لدور القضاء في تكييف هذه الأخطاء من جهة ثانية.
حدود سلطة المشغل في فصل الأجير المضرب
تجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي لم يعرف الخطأ الجسيم، وإنما اكتفى فقط بتحديد وسرد مجموعة من صور الخطأ الجسيم التي تعتبر أخطاء جسيمة بقوة القانون، والتي تخول للمشغل فصل الأجير في حالة ارتكابها. وذلك اهتداء بما سارت عليه تشريعات الشغل المقارنة.
وقد أوردها المشرع على سبيل المثال لا حصر من خلال المادة 39 من مدونة الشغل، وعلاوة على الأخطاء الجسيمة المعاقب عليها بمقتضى القانون الجنائي، والتي تجعل الإضراب غير مشروع وتعسفي، هناك مجموعة من الأخطاء التي استقر عليها القضاء، واعتبرها بمثابة أخطاء جسيمة، يترتب على مرتكبيها أثناء ممارسة الإضراب إنهاء عقد الشغل، دون الحق في الاستفادة من التعويضات، وبدون إخطار سابق.
في مقابل ذلك يمكن للمشغل أن يتخذ بعض القرارات التأديبية التي لا تصل إلى حد الفصل، شريطة أن تدخل ضمن الأخطاء المنصوص عليها في مدونة الشغل، مع ترك إمكانية لجوء الأجير المضرب إلى الفضاء كلما تبين له أن القرار المتخذ مبالغ فيه مقارنة مع الخطا المرتكب.وبالتالي فمعيار تدخل المشغل لفصل الأجراء المضريين مرتبط بوصف الإضراب، هكذا إذن، كان القضاء الفرنسي قرر في كثير من الحالات أن الاعتراف بحق الإضراب يعني استبعاد أي جزاء ناتج عن ممارسته لحقه في إطار مشروع ومن ثم اعتبر العديد من التدابير التأديبية المتخذة في حق الأجير المضرب تعسفية كالتوقيف المؤقت عن العمل والتوييخ.
كما لم يكتف بتقرير إلغاء هذه التدابير، بل حكم بإصلاح الضرر الحاصل للمضرب، سواء كان هذا الضرر ماديا أو معنويا، خاصة وأن الفصل الذي يتخذه المشغل مباشرة بعد استئناف المضرب لعمله غالبا ما يكون قرينة لصالح هذا الأخير، يمكن اعتمادها بجانب قرائن أخرى، وبناء على هذه الاعتبارات، يتبين أن الفصل عن العمل جاء في الحقيقة بسبب الإضراب، وأن المبرر المعتمد من طرف المشغل لا يرتكز على أساس.
وذلك على اعتبار أن الإضراب حق مشروع، لا يترتب على ممارسته معاقبة المضرب، هذا إذا كان الإضراب مشروعا، أما إذا كان غير مشروع أو تخلله ارتكاب المضرب لخطا جسيم، فمن حق المشغل ممارسة سلطته التأديبية.
لكن يظل السؤال مطروحا حول مدى استمرار قيام هذه السلطة حتى لمجرد ارتكاب المضرب لخطا يسير. وبذلك، فإن ممارسة الإضراب تغل يد المشغل في اتخاذ أي جزاء تعسفي في حق الأجراء المضريين، لأن ممارسة الإضراب، تجعل الأجراء خارج إطار علاقة الشغل، أو كما ترىHSINAY أن العلاقة التعاقدية تصاب بشلل مطلق".
القضاء ودوره في تكييف الأخطاء الجسيمة
إذا كان للمشغل في إطار سلطته التأديبية أن يوقع ما يشاء من العقوبات المناسبة للأخطاء التي يقترفها أجراؤه، فإن القضاء وفي إطار رقابته للسلطة التأديبية للمشغل غير ملزم بالوصف الذي يعطيه المشغل للخطأ المنسوب للأجير، بحيث يكون له دائما أن يعيد تكييف طبيعة الخير.وقد سبق لمحكمة النقض أن اعتبرت أن قيام الأجير المضرب رفقة زملائه المضربين الشاحنات من الخروج من المقاولة تسبب في عرقلة سير عملها وهو ما كيف على أنه جسيم يبرر فصله.
في مقابل ذلك ذهبت نفس المحكمة إلى استبعاد فصل الأجير المضرب بسبب عدم إثبات المشغل، لكون التهديدات التي نسبت للأجير المضرب هي السبب وراء عدم تنفيذ الأجراء غير المضريين لعملهم، واعتبرت ذلك بمثابة فصل تعسفي.
وبذلك فالمشغل يكون ملزما بإثبات جسامة الخطأ أو الفعل المرتكب، وبناء على ذلك، يشكل تدخل القضاء لضبط السلطة التأديبية للمشغل ضمانة حقيقية للأجراء للحفاظ على استقرار العلاقة الشغلية، وكذلك للحد من أي تعسف محتمل من قبل المشغل في استعمال تلك السلطة.
وتمتد الرقابة القضائية على السلطة التأديبية للمشغل إلى إعادة تكييف الأخطاء الجسيمة التي يعتبرها المشغل موجبة للعقوبة التأديبية.وباعتقادنا فأنه لا يكفي ارتكاب الأجير المضرب لإحدى الأخطاء الجسيمة لفصله عن العمل، وإنما يجب على المشغل توجيه رسالة الفصل، وهذا ما أكدته محكمة النقض المغريية في إحدى القرارات الصادرة عنها، حيث جاء فيها أن:
"ارتكاب الأجير لخطا جسيم يفرض على المشغلين توجيه رسالة الطرد إليه خلال 48 ساعة من تاريخ التثبت منه، مع تسليمه نسخة منها، وتوجيه نسخة أخرى إلى مفتش الشغل، وفي حالة عدم احترام هذه الإجراءات، فإن الطرد الذي يتعرض له الأجير يعتبر طردا تعسفيا، ويستحق معه التعويضات التي يخولها قانون الشغل".كما أن القضاء استبعد الإنذار الموجه للأجير من طرف مشغله خلال فترة الإضراب، حيث جاء في قرار لمحكمة الاستئناف بمراكش الصادر في08/03/2018:
" أنه وبعد الاطلاع على وثائق الملف ومذكرات الأطراف، تبين أن المحكمة الابتدائية صادفت الصواب فيما انتهت إليه في حكمها المستأنف، وكان تعليلها للحكم مستوفيا، بعدما ثبت لها أن الإنذار الذي وجه للأجراء كان أثناء فترة الإضراب وبذلك فلا قيمة له، وأن العقد كان متوقفا خلائها.
ومادام أن المستأنف عليه أثبت الالتحاق بالعمل بعد انتهاء الإضراب، حسب محضر المعاينة المنجز بتاريخ 10/04/2015 ومنعه من الولوج إلى داخل المؤسسة، والذي تأكد أيضا من خلال محضر المعاينة بتاريخ 14/04/2015،فإن تصرف المشغل يعد طردا تعسفيا مبررا للحكم بالتعويضات القانونية، وأن اشتراطه على الأجير تبرير الغياب قبل السماح له بالعودة للعمل لا مبرر له، مادام أنه خلال فترة الغياب كان في حالة إضراب".
من خلال مقتضيات هذا القرار يتبين لنا أن القضاء المغربي اعتبر الإضراب حقا دستوريا مضمونا يمارسه الأجراء لتحقيق مطالبهم، إلا أنه يجب ألا يتجاوز حدود المشروعية، كأن يؤدي مثلا إلى عرقلة حرية العمل أو أن تكون مصحوبة ببعض الأخطاء أو الأفعال التي تدخل ضمن خانة الأخطاء الجسيمة التي قد تؤدي إلي فصل الأجير المضرب لهذا السبب.