مختلف مناهج علم الاجرام
يتخذ علم الإجرام من الظاهرة الإجرامية موضوع له هاته الأخيرة التي تتميز بالتشعب والتعقد إلى حد قد يستعصي معها إخضاعها لتطبيقات لقواعد المنهجية.
![]() |
مختلف المناهج المعتمدة في علم الاجرام |
إنطلاقا من إنتماء علم الإجرام لحظيرة العلوم الإنسانية، لا شك أنه سوف يستفيد من مناهجها العلمية، مما يدفعنا إلى تناول مناهج علم الإجرام بالتمييز بين كل من مناهج علم الإجرام النظري، ومناهج علم الإجرام الاكليني.
وبالتالي فإن المناهج المتبعة في علم الإجرام يغلب عليها طابع العلوم الإنسانية التي تختلف وتتميز بين علم الإجرام النظري وعلم الإجرام الاكليني.مناهج علم الإجرام النظري
تتلخص مناهج علم الإجرام النظري في وسيلتين، وهما الاحصاءات الجنائية والمسح الاجتماعي.1- الإحصاءات الجنائية les statistiques
الإحصاءات الجنائية هي عملية حسابية لعدد الجرائم المرتكبة داخل بلد معين في وقت معين، حيث تعتبر ترجمة حسابية للظاهرة الإجرامية.
تتجلى أهمية الإحصائيات الجنائية في كونها:
- تستعمل لقياس حجم الإجرام بالنسبة لعدد السكان.
- تساعد الباحث على رسم خطوط مبيانية لتطور الجريمة بالنظر إلى سن المجرمين وجنسيتهم، ومهنتهم وضعيتهم الاجتماعية.
- كما أنها توضح أهم الجرائم المرتكبة في منطقة معينة دون أخرى.
إلا أن علماء الإجتماعي لايتفقون حول أهمية الإحصاءات الجنائية، فهناك من يوليها أهمية كبرى، مثل "سيلين Seellin" الذي يرى فيها "أنها مرآة الجريمة".
ومنهم من يرى أنها "لا تصلح إلا لتكون فكرة تمهيدية أو عامة عن النشاط الإجرام في منطقة ما أو في وقت ما،" وينبغي توفر على الوسائل الفنية اللازمة والفهم الدقيق للتمكن من البيانات الكافية في تفسير نتائج الإحصاءآت، لأن الخطأ أو القصور في الفهم قد يؤدي إلى تضليل الباحث، ويبعده عن إدراك الحقائق.
وقد سبق لعلم الإجرام أن سجل نتائج مهمة بالاعتماد على الإحصاءات في النصف الأول من القرن التاسع عشر على يد "فيري guerry" و"كيتيليت quetelet" وهما عالمان في الرياضيات، وكانا يعتمدان في أعمالهما على الأرقام المقدمة من طرف الإحصاء العام للعدالة الجنائية.
فالبحث في الإجرامية الواقعية، لا نجد أن الإحصاءات الجنائية تعكس الحقيقة الاجرامية وذلك نظرا للفوارق المتواجدة بينهما، والتي يعبر عنها الرقم الأسود الذي لا يعدو أيكون سوى تلك الجرائم التي لم تصل إلى علم السلطات العامة أي مصالح الشرطة الجنائية، وذلك لأسباب متعددة، منها ما يرجع إلى المجرم، ومنها ما يعود إلى طبيعة الجريمة، أو إلى الضحية نفسها.
أما الإجرامية الظاهرية، فهي مجموع الجرائم التي تصل إلى مصالح الشرطة والنيابة العامة وقضاء التحقيق والإحصاءات الجنائية، هذه أيضا لا تعكس الحقيقة الإجرامية وذلك لعدة أسباب منها ما يرتبط ب:
- الصعوبات التي تعترض عمل الشرطة.
- دور النيابة العامة في اعتماد حق الملائمة من عدمه.
- سقوط الدعوى العمومية.
وبخصوص الإجرامية الشرعية، فهي تلك الجرائم التي أدينت من طرف المحاكم الزجرية والإحصاءات الجنائية، وهنا أيضا لا تعكس الحقيقة الإجرامية، لأنها لا تأخذ بعين الإعتبار تلك الجرائم التي استفادت من طرق التبرير الشرعية. التي تسقط فيها الدعوى العمومية بالموت أو التقادم أو العفو أو بالتنازل.
كما أن الإحصاءات التي تقدمها إدارة السجون لا تعكس أيضا الحقيقة الإجرامية، وذلك لأنه لا يوجد بين المسجونين أولئك الذين صدر بحقهم حكم غيابي أو عقوبة موقوفة التنفيذ أو حكم بالغرامة.
2- المسح الاجتماعي Enquête sociale
إلى جانب الإحصاء الجنائي، يعتمد على الإجرام النظري على تقصي الحقائق الإجرامية بواسطة البحث الاجتماعي من خلال أساليبه التالية كما هو موضح في الجدول أدناه:
1- الاستبيان | هي استمارة توجه إلى المجرم والضحية يتم من خلالها الإجابة على العديد من الأسئلة. |
---|---|
2- المقابلة | هي عكس الاستبيان بحيث يوجه الباحث من خلالها الأسئلة مباشرة للأفراد موضوع البحث. و أسلوب المقابلة يتماشى مع نسبة الأمية التي لازالت متفشية لدى العديد من الأفراد. |
3- دراسة البينة | أي الاهتمام بالعوامل الإيكولوجية وذلك من خلال تقسيم الأقاليم تقسيما جغرافيا أو اجتماعيا، مثلا: كأن يقسم الإقليم إلى منطقة فلاحية وأخرى صناعية، و منطقة غنية وأخرى فقيرة. |
4- دراسة السير الذاتية للمجرم | تروم دراسة السيرة الذاتية للمجرم تتبعه والوقوف على الأسباب الكامنة فيه والتي قد تكون قديمة بهدف استئصالها. |
كان هذا فيما يخص النوع الاول من مناهج علم الاجرام أما النوع الثاني والمتعلق بعلم الاجرام الاكلينيكي فسيتم التعرف عليه في التالي.
مناهج علم الإجرام العيادي أو الكلينيكي
علم الإجرام العيادي هو خلاصة الدراسة الإجرامية التي تهتم بفحص المجرم من الناحية الطبيعية والنفسية والإجتماعية للخروج بفكرة مخبرية عن خطورته الإجرامية.
وقد تطور علم الإجرام العيادي تطورا كبيرا مقارنة مع علم الإجرام النظري وقد ميز"بيناتل piatel" بين أربعة مراحل في تطور علم الإجرام العيادي كما يلي:
- المرحلة العلمية.
- المرحلة السجونية.
- المرحلة القضائية.
- المرحلة التشريعية.
فعلم الإجرام العيادي يسعى إلى تكوين ملف عن شخصية المجرم، وهذا الملف يقوم بتهيئة الفريق العيادي الذي يتكون من الطبيب وعالم النفس والطبيب العقلي والباحث الاجتماعي.
وكل عضو في الفريق العيادي يقوم بدراسة حول شخصية المجرم، لتجتمع هذه الدراسات وبعد ذلك، يتم استخلاص النتائج للخروج بالخلاصة الجماعية حول الشخصية محل الدراسة.
وبعد هذه المرحلة التي تعتبر مرحلة الفحص، تأتي مرحلة التنبؤ الإجتماعي، أي حظوظ إندماج المجرم في الوسط الاجتماعي لتأتي مرحلة اقتراح العلاج المناسب وذلك تماشيا مع المتطورة الإجرامية للشخصية محل الدراسة ومرحلة الفحص والتشخيص تنقسم الى:
- الفحص الطبي.
- الفحص العقلي أو النفسي.
- البحث الاجتماعي.
1- الفحص الطبي لشخصية المجرم
فالفحص الطبي هو قياس الأطراف الخارجية، وفحص الأعضاء الداخلية كأن يقيس رأس وأطراف الشخص محل الفحص، ويعمل على تصنيف هذه القياسات ومقارنتها بالمعدلات العادية المعتمدة من قبل الطب للكشف عن شدود معين في التركيب العضوي الخارجي للمجرم.
وكذا الخلل في التركيب الداخلي كسلامة الغدد الصماء، والتركيب الكروموزوني للخلايا الجسدية وسلامة الجهاز العصبي، والهدف من كل هذه العمليات هو محاولة إيجاد التوازن العضوي للشخص موضوع الفحص.
2- الفحص العقلي لشخصية المجرم
يسعى الفحص العقلي إلى التأكد من سلامة العقل وسلامة الجهاز العصبي، ويتم وفق أساليب تقنية تعتمد القياس الإلكتروني للموجات الكهربائية الدماغية.
3- البحث الاجتماعي حول المجرم
وبخصوص البحث الاجتماعي فهو الذي ينصب على الظروف العائلية والاجتماعية للشخص، ونوع علاقته ومخالطته وتصرفاته في الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه، لكونها محددا دافعا إلى ارتكاب الجريمة.
أما علم الإجرام في سبيل تفسيره للظاهرة الإجرامية فهو يتبع أساليب البحث المتبعة في العلوم الاجتماعية كالإحصاء والبحث، والاستجواب مثلا، علما أن النتائج المتحصل عليها تقريبية.
لذلك ظل هذا العلم يقترب من العلوم الطبيعية للاستعانة بها عن طريق أخذ أسلوب الملاحظة التي اكتنفتها نوعان من الصعوبات نوع يتعلق بموضوع الملاحظة ونوع آخر يتعلق بزمانها.
أما فيما يخص الوسائل الأخرى كالبحوث والمس الاجتماعي والاستجوابات، فإنها توفر للباحث المعلومات الكافية لفهم الظاهرة الإجرامية ولكنها لكنها تحتاج إلى يقظة وفهم جديدين، بالإضافة إلى تحضير الأسئلة التي تستجيب لطبيعة البحث والتي لا شك في أنها تختلف من عينة إلى أخرى.