📁 آخر الأخبار

جرائم الاعمال في إطار القانون المغربي

جرائم الاعمال في إطار القانون المغربي

لقد تطورت الجريمة مع مرور الزمن بحيث أصبحت تعتمد على وسائل حديثة، مما جعلها تشمل مجالات متعددة، بحيث تم تجاوز مفهوم الجريمة التقليدي المنصوص عله في الفصل 110 من القانون الجنائي المغربي والذي يعتبر الجريمة  أنها " عمل أو امتناع مخالف للقانون الجنائي، ومعاقب عليه بمقتضاه".

ولإتمام أركان الجريمة يشترط ضرورة توفر الإرادة والإدراك والعلم لكي يتحقق القصد الجنائي.
وبالتالي فإن القانون الجنائي الهدف منه هو حماية الحقوق وذلك من خلال تجريم مجموعة من الأفعال مع تخصيص جزاءات جنائية لها من حبس أو سجن أو غرامات مالية وعقوبات إضافية.

جرائم الأعمال في إطار القانون المغربي
جرائم الأعمال في إطار القانون المغربي

 

ونظرا لكون كل من جرائم الاعمال، أو جرائم الشغل كأي جريمة، يشترط فيها ضرورة توفر كل من الركن القانوني والمادي والركن المعنوي، وبالنظر لخصوصية هذا النوع من الجرائم، فإن جرائم المال والأعمال لهي جرائم متطورة وذات طبيعة تقنية، وترتكب لأغراض مالية واقتصادية، مما يكون لها تأثير على كل من الأفراد والدولة ككل.
فالجرائم المرتبطة بالأعمال نجد شتات للنصوص المرتبطة بها في كل من مدونة التجارة وقانون الشغل والقانون الجنائي ومساطر صعوبات المقاولة.

ويمكن تصنيف جرائم الأعمال الى جرائم يرتكبها موظفون ضد النظام العام من جهة، والى جرائم يرتكبها الأفراد ضد النظام العام من جهة ثانية، مما يعكس لنا الطبيعة الاجرامية للمجرم التي تختلف عن المجرم التقليدي الذي تكون له دوافع إجرامية أصلها في غالب الأحيان يعود الى الانتقام من أجل تصفية حسابات معينة أو الى دوافع نفسية واجتماعية بالدرجة الأولى.

وعلى خلاف ذلك فالمجرم في جرائم الأعمال يكون ذو مستوى ثقافي ومعرفي واجتماعي جيد أو لابأس به بحيث يسعى من خلال ذلك الى اعتماد مجموعة من الطرق الاحتيالية والغير المشروعة من أجل كسب المال أو الاضرار بالأمن العام للمال العام.
وتكمن أهمية جرائم الأعمال في كونها جرائم ذات طابع حاص ومتفرد من حيث خصوصية التجريم والعقاب.

وسنتناول بصدد دراستنا لهذا الموضوع للجرائم لكل من الجرائم المنصوص عليها في إطار القانون الجنائي والقانون الجنائي للشغل بداية، بعدها نتناول الجرائم المرتبطة بالأعمال والمنصوص عليها في كل من مدونة التجارة ومساطر صعوبات المقاولة.

أولا: جرائم الأعمال المنصوص عليها بمقتضى القانون الجنائي والقانون الجنائي للشغل

إن جرائم الاعمال كما يتضح من خلال تسميتها أنها تشمل جانب متعلق بالأعمال و المعاملات المالية، بحيث أن الجرائم المطالبة كانت قليلة فيما مضى، على عكس وقتنا الراهن وهذا الأمر بطبيعة الحال يرجع الى طبيعة العلاقات الاجتماعية الرابطة بين الأفراد بسيطة آنذاك  ومقتصرة  على بعض المنقولات والعقارات. وهو الشيء الذي لم يساهم في بروز الجريمة بشكل مهول بحيث كان أقدم ما عرف عن جرائم الأموال آنذاك هو جريمة السرقة باعتبارها الوسيلة الملائمة في ذلك المجتمع البسيط تعبيرا عن النهب والاستيلاء غير الشرعي على أموال الآخرين.

1.    الجرائم المنصوص عليها بمقتضى القانون الجنائي

ويتعلق الامر هنا بكل من جريمة السرقة، جريمة النصب، جريمة إصدار شيك بدون رصيد، جريمة خيانة الأمانة وجريمة التفالس، وسنتطرق الى كل منهما على حدة.

1) جريمة السرقة

إن جريمة السرقة في التشريع الإسلامي فقد اعتبرها من الجرائم الخطيرة وتم تصنيفها ضمن جرائم الحدود.
و نص القانون الجنائي الفرنسي في الفصل 1-311 على أن "السرقة هي اختلاس شيئا مملوكا للغير بطريقة احتيالية".
أما المشرع المغربي فقد نص على السرقة في الفرع الأول من من الباب التاسع المخصص لجرائم الأموال، التي جاءت في الفصول من 505 الى 539.

ووفق الفصل 505 "من اختلس عمدا مالا مملوكا للغير يعد سارقا"، ويعاقب بالحبس من سنة الى خمس سنوات وغرامة من 200 الى 500 درهم. وهذه العقوبة تشدد حسب السارق والمسروق وحسب ظروف السرقة.

أما ربط السرقة كجريمة بسيطة بموضوعنا فهي نفسها تلك الجريمة البسيطة إلا أنه في حالتنا هذه كما تمت الإشارة فيما سبق أنها تكون في حالتنا هذه مرتكبة من طرف موظف أو شخص يشغل منصب المسؤولية، والصفة المخولة له هي المساهمة في تشديد العقوبة، فتتحول بذلك من جنحة الى جناية بحيث تصل فيها العقوبة السجنية من 10 سنوات الى 20 سنة.

2) جريمة النصب

وجريمة النصب حسب القانون الجنائي عرفها المشرع بمقتصى الفصل 540 من نفس القانون بأنها:

"استعمال الاحتيال لإيقاع الشخص في غلط، تأكيدات خادعة أو إخفاء وقائع صحيحة أو استغلال ماكر لخطأ وقع فيه غيره، ويدفعه بذلك الى أعمال تمس مصالحه أو مصالح الغير المالية بقصد الحصول على منفعة مالية له أو لشخص آخر".

 كما أن العقوبة المخصصة لهذه الجريمة محددة في الحبس من سنة الى 5 سنوات وغرامة من 500 الى 5000 درهم.
ويمكن أن تتضاعف هذه العقوبة  بحيث يصل الحد الأقصى للغرامة فيها الى 100 ألف درهم، في حالة ارتكابها من طرف شخص استعان بالجمهور في إصدار أسهم أو سندات أو أذونات أو حصص، أو أي ورقة مالية أخرى متعلقة بشركة او بمؤسسة تجارية أو صناعية، وفقا لما تم تأكيده من خلال الفصل 540 من القانون الجنائي السالف ذكره.

3) جريمة إصدار شيك بدون رصيد

وقد جاء بمقتضى الفصل 543 من القانون الجنائي أنه: 

"يعد مرتكبا لجريمة إصدار شيك بدون رصيد من قام بسوء نية، بإصدار شيك ليس له رصيد ثائم قابل للتصرف، أو له رصيد يقل عن قيمته، وكذلك سحب الرصيد كله أو جزء منه بعد إصدار الشيك، أو إصدار أمر للمسحوب عليه بعدم الدفع.
قبول تسلم شيك صدر في الظروف المشار اليها".

4) جريمة خيانة الأمانة

إن جريمة خيانة الأمانة حسب الفصل 547 من القانون الجنائي هي:
"من اختلس أو بدد بسوء نية، اضرار بالمالك أو واضع اليد أو الحائز، أمتعة أو نقودا أو بضائع أو سندات أو وصولات أو أوراقا من أي نوع تتضمن أو تنشئ التزاما أو إبراء كانت سلمت اليه على أن يردها، أو سلمت اليه لاستعمالها أو استخدامها لغرض معين، يعد خائنا للأمانة، ويعاقب بالحبس من 6 أشهر الى 3 سنوات وغرامة من 200 الى 2000 درهم ".

وقد تتضاعف هذه الجريمة إذا تم ارتكابها من طرف عدل أو حارس قضائي أو قيم أو مشرف قضائي، أو حارس أو ناظر أو مستخدم أو أجير أو موكل عند قيامهم بوظيفتهم أو بسبب وظيفتهم.

5) جريمة التفالس

ونعني به حسب مقتضى الفصل 556 من القانون الجنائي "التاجر المتوقف عن الدفع الذي يرتكب إهمالا أو عمدا أحد الأفعال المعاقب عليها والتي من شأنها الاضرار بحقوق دائنيه ".
وما يمكن استخلاصه من ذلك أن أن جرائم الاعمال قد تلحق ضررا بالأموال أكثر مما تلحقه بالأفراد وهذا بطبيعة الحال يرجع الى الطبيعة التقنية للجريمة وللمكانة الاجتماعية للمجرم، كما أن لهذه الجرائم تأثرا كبيرا على البعد الاقتصادي للدول وهو الأمر المؤدي الى زعزعة استقرارها اقتصاديا كما انه تم نهج سياسة عقابية تتلاءم مع طبيعة هذه الجرائم وذلك لغاية التصدي لها والحد منها.

2.    الجرائم المنصوص عليها في إطار قانون الشغل

إن طبيعة العقوبة الجنائية في مدونة الشغل هي عبارة عن غرامة مالية، مع غياب العقوبات الحبسية فيها، بخلاف القانون الجنائي الذي يتم اللجوء اليها استثناء في حالة العود أو يتم استثناء يتم إغلاق المؤسسة أو المقاولة بقرار قضائي في حالة انتهاك قواعد السلامة والصحة.

ويمكن القول بأن العقوبات المنصوص عليها في القانون الجنائي للشغل يمكن أن تكون ذات بعدين:

بعد مدني: مثلا كإصلاح الضرر عن طريق التعويض أو البطلان، بمعنى بطلان بعض العقود في حالة عدم احترام المقتضيات المنصوص عليها ضمن مدونة الشغل.

عقوبات تأديبية: بحيث أن الهدف من للقانون التأديبي يتجلى في معاقبة السلوكيات التي تضر بسير العمل في المؤسسة، في حين أن القانون الجنائي يعاقب في المقام الأول على الأعمال التي تضر المجتمع كله.

ثانيا: جرائم الأعمال المنصوص عليها بمقتضى مساطر صعوبات المقاولة ومدونة التجارة

 بما أن جرائم الاعمال لها علاقة وطيدة بالمعاملات التجارية أو كل ما له علاقة بالتسيير، وبالتالي سنتطرق من خلال هذا المحور بداية للجزاءات في مساطر صعوبات المقاولة، بعدها نتناول الجزاءات المنصوص عليها في مدونة التجارة.

1. جزاءات جنائية منصوص عليها بمقتضى مساطر صعوبات المقاولة 

إن مساطر صعوبات المقاولة هي مساطر تتميز بإجراءات تختلف عن المساطر العادية، بحيث يتم تعيين أجهزة التسيير والمراقبة من خلال تدخل أجهزة مختلفة وذلك في سبيل الحفاظ على المقاولة ونشاطها لما له من دور في تنمية الاقتصاد الوطني، بغية تحقيق تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال توفير مناصب الشغل وكذا تحريك عجلة الاقتصاد.

 بحيث أن المقاولة قبل أن تصل الى مرحلة التسوية أو التصفية القضائية، فإنها تخضع لمساطر الوقاية من الصعوبات، ومنها ما هو داخلي أو خارجي، مرورا بمسطرة الإنقاذ، لتصل في الأخير لمسطرتي التسوية والتصفية القضائيتين، والتي تعرف في هذه المرحلة جزاءات جنائية.

ويعتبر التفالس الوارد في القانون الجنائي لا يزال قابلا للتطبيق على اعتبار أن المدونة اقتصرت على ذكره (التفالس) بدون تعريف، بحيث حددت فقط الأفعال التي تعد تفالسا.

 في حين أن القانون الجنائي ينظم التفالس البسيط والتفالس بالتدليس مع تحديد لكل نوع أفعال وعقوبات خاصة.

 والعقوبات الواردة في هذا الصدد، لا تحقق الردع، فقد تم تحديدها بين شهرين و4 أشهر موقوفة التنفيذ، وتعويض بين 4000 و6000 درهم، وللنطق بعقوبة التفالس يشترط أن يصدر حكم فتح مسطرة المعالجة على خلاف القانون الملغى، إذا كان التوقف عن الدفع كافيا لتحريك المتابعة، لهذا لم يعد للقضاء الزجري أن ينطق بالتفالس قبل صدور الحكم من طرف المحكمة التجارية والقاضي بفتح مسطرة المعالجة، بحيث أن جريمة التفالس تشمل الأفعال التالية:

  1. الشراء قصد البيع بثمن أقل بهدف تأخير مسطرة المعالجة؛
  2. اختلاس أو إخفاء أصول المدين؛
  3. مسك حسابات وهمية أو إخفاء وثائق حسابية للمقاولة.

والعقوبة وفقا للمادة 755 من القانون رقم73.17 المعدل لمدونة التجارة، محددة في الحبس من سنة الى خمس سنوات، وغرامة من 10000 الى 000 100 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين.

وإقرار هذه العقوبات الغاية منها هو حماية المقاولة وأصولها من كل تهديد قد يواجه نشاطها في مرحلة تنفيذ المسطرة.

2. جزاءات جنائية منصوص عليها بمقتضى مدونة التجارة 

مدونة التجارة هي قانون ينظم القواعد المتعلقة بالأعمال التجارية والتجار، حسب المادة 1 من 15.95 المنظم للمدونة السالف ذكرها. 

بحيث ان هذه الأخيرة قد تعرف مجموعة من الخروقات والأفعال التي تعتبر جرائم وتترتب عنها جزاءات.

 حيث أنها تطبق على مسيري المقاولة الفردية أو ذات شكل شركة والتي كانت موضوع فتح المسطرة (المادة 736 من م. التجارة).

 كما يتضح ذلك من خلال المادة 748 من نفس المدونة أن المحكمة تصدر عقوبات مدنية بالاضافة الى إمكانية القضاء اسقاط الاهلية التجارية، بحيث أن مدة هذا الاجراء محددة في 5 سنوات، وتمنع من ممارسة وظيفة عمومية انتخابية.

 إضافة الى جزاءات أخرى منصوص عليها في المادة 65 من مدونة التجارة، والمرتبطة بالتقييدات الواجبة في السجل التجاري، المحددة في غرامة مالية ما بين 1000 و5000 درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط.

 كما نظمت كذلك مدونة التجارة جرائم الشيك، بحيث خصتها بغرامات مالية محددة فيما بين 5000 و000 50 للمسحوب عليه، الذي صرح بمؤونة تقل عن المؤونة الموجودة والقابلة للتصرف حسب المادة 319 من مدونة التجارة.

 والى هنا يمكن القول أن جرائم الاعمال تكتسي طابعا تقنيا وخاصا وذلك بالنظر لظروف قيامها على اعتبار أن الأهداف المتوخاة من اللجوء اليها وهي أهداف اقتصادية بامتياز، بحيث يلجأ من خلالها الجاني الى الكسب والربح السريع باللجوء الى طرق غير مشروعة وهو الشيء الذي جعل المشرع يخص لها جزاءات إلا أن أغلبها جزاءات مادية لا ترقى الى المستوى المطلوب.



تعليقات