القانون والذكاء الاصطناعي أي علاقة؟
نحن نشهد في عصرنا الحالي لداية حقبة جديدة، ستعمل من خلالها الثورة التكنولوجية بتغيير حياتنا بسرعة هائلة، ويعرف الذكاء الاصطناعي نموا هائل وتطبيقات جديدة في عدد مزايد من المجالات، بما في ذلك التعليم والبيئة والصحة والبحث والأمن والثقافة والتجارة الى جانب الاستخدام المتزايد للبيانات الضخمة.
![]() |
القانون والذكاء الاصطناعي أي علاقة؟ |
وقريبا سيلعب الذكاء الاصطناعي دورا كبيرا في القيادة الذاتية للسيارات والروبوتات الصناعية والروبوتات في المجال الطبي وقطاع الطيران وفي التطبيقات الذكية، وفي مجال العدالة وبحوث الجريمة وفي العديد من المجالات الأخرى، مما يطرح التساؤل حول علاقة القانون بالذكاء الاصطناعي، وهل هناك أخلاقيات نحكم هذا الذكاء الاصطناعي؟ وما هي مسؤوليته القانونية والجنائية؟
سيتم التعرف بداية على مفهوم الذكاء الاصطناعي وتاريخه وأنواعه ثم في الأخير نعرض لعلاقته بالقانون.
أولا) مفهوم الذكاء الاصطناعي
الذكاء الاصطناعي بصفة عامة يمكن تعريفه بأنه «هو فرع من علم الحاسوب» وتعرف الكثير من المؤلفات الذكاء الاصطناعي على أنه «دراسة وتصميم العملاء الأذكياء»، والعميل الذي هو نظام يستوعب بيئته ويتخذ المواقف التي تزيد من فرصته في النجاح لتحقيق مهمته أو مهمة فريقه.
وبشكل مبسط فإن مصطلح الذكاء الاصطناعي (AI) يشير الى الأنظمة أو الأجهزة التي تحاكي الذكاء البشري لأداء المهام والتي يمكنها أن تحسن من نفسها استنادا الى المعلومات التي تجمعها.
وبالتالي يمكن تعريف الذكاء الاصطناعي بأنه وسيلة لإعداد الحاسوب أو الروبوت، للتحكم فيه بواسطة برنامج يفك بذكاء وبنفس الطريقة التي يفكر بها البشر الأذكياء، فعلم الذكاء الاصطناعي يشكل أحد علوم الحاسب الآلي الحديثة التي تبحث عن أساليب متطورة لبرمجته للقيام بأعمال واستنتاجات تشابه في أضيق الحدود الأساليب التي تنسب لذكاء الانسان.
ومن أمثلة لأشكال استخدامات الذكاء الاصطناعي كما يلي:
- أن الأشخاص القائمون على الذكاء الاصطناعي يستخدمونه من أجل تحليل المعلومات الهامة من مجموعة كبيرة من البيانات النصية لتحسين الجدولة؛
- كما يمكن لمحركات التوصية تقديم توصيات مؤتمنة للبرامج التلفزيونية استنادا الى عادات المشاهدة للمستخدمين؛
- كذلك تستخدم روبوتات المحادثة الذكاء الاصطناعي لفهم مشكلات العملاء، بشكل أسرع وتقديم ‘إجابات أكثر كفاءة؛
وهذا المجال تأسس على افتراض أن ملكة الذكاء يمكن وصفها بدقة بدرجة تمكن الآلة من محاكاتها، وهذا يثير جدلا فلسفيا حول طبيعة العقل البشري، وحدود المناهج العلمية.
وهي قضايا تناولتها نقاشات وحكايات أسطورية وخيالية وفلسفية منذ القدم، كما يدور جدل عن ماهية الذكاء وأنواعه التي يمتلكها الإنسان، وكيفية محاكاتها بالآلة، وقد كان ومازال الذكاء الاصطناعي سببا لأفكار شديدة التفاؤل، وقد عانى من نكسات فادحة عبر التاريخ، واليوم أصبح جزءا أساسيا في صناعة التكنولوجيا ، حاملا عبء لأصعب المشاكل في علوم الحاسوب الحديثة.
ثانيا) تاريخ الذكاء الاصطناعي
إن أبحاث مجال الذكاء الاصطناعي تأسست ضمن ورشة عمل في ‹كلية دارتموث› خلال صيف سنة 1956، وأولائك الأشخاص الحاضرين لهذا اللقاء هم من أصبحوا فيما بعد قادة لأبحاث الذكاء الاصطناعي لعدة عقود، وقد تنبأ العديد منهم بأن آلة بذكاء الانسان لن تكون موجودة قبل مرور أكثر من جيل إلا أنهم عملوا بجهد لجعل هذه الرؤية حقيقية.ومشروع الذكاء الاصطناعي بدأ في الولايات المتحدة لكن في النهاية أصبح من الواضح أن الخبراء آنذاك قللوا بشكل كبير من صعوبة تحقيق التقدم في هذا المشروع.
وعلى العموم ففي القرن الواحد والعشرين، أصبحت أبحاث الذكاء الاصطناعي على درجة عالية من التخصص والتقنية، بحيث انقسمت الى مجالات فرعية مستقلة بشكل عميق لدرجة أنها أصبحت قليلة ببعضها البعض، ونمت أقسام المجال حول مؤسسات معينة، وعمل الباحثين على حل مشكلات محددة، وخلافات في الرأي نشات منذ زمن طويل حول الطريقة التي ينبغي أن يعمل وفقها الذكاء الاصطناعي، وتطبيق أدوات مختلفة على نطاق واسع.
والإنسان الآلي يعتبر من الحقول المتميزة في الذكاء الاصطناعي، الذي يهتم بمحاكاة العمليات الحركية التي يقوم بها الإنسان أو الحيوان بشكل عام، هذا الحقل يهدف الى القيام بالعمليات المتكررة والخطرة أو العمليات التي يعجز الانسان عن أدائها.
ثالثا) أنواع الذكاء الاصطناعي
يمكن تقسيم الذكاء الاصطناعي كالتالي:1- الذكاء الاصطناعي العام
هذا النوع يشير الى حواسيب بمستوى ذكاء الإنسان في جميع المجالات، بمعنى أن يمكنه تأدية أي مهمة فكرية يمكن للإنسان القيام بها،
2- الذكاء الاصطناعي الضيق
وهو الذي يتخصص في مجال واحد، فعلى سبيل المثال: هناك أنظمة ذكاء اصطناعي يمكنها التغلب على بطل العالم في لعبة الشطرنج، وهو الشيء الوحيد الذي تفعله.
3- الذكاء الاصطناعي الفائق
هذا النوع من الذكاء الاصطناعي يعرفه الفيلسوف ‹أكسفورد نيك بوستروم› بأنه:
«فكر أذكى بكثير من أفضل العقول البشرية في كل مجال تقريبا، بما في ذلك الإبداع العلمي والحكمة العامة والمهارات الاجتماعية ››.
وهذا النوع بسببه يعتبر مجال الذكاء الاصطناعي مجالا شيقا للتعمق به.
رابعا) المسؤولية القانونية للذكاء الاصطناعي
في سنة 1942 نشر كاتب الخيال العلمي "إسحاق عظيموف" وهو أمريكي من أصل روسي، قصة قصيرة بعنوان ‹التملص runaround› وكان بطل القصة رجلا آليا (أو روبوتا) تمت برمجته وفق ثلاث قوانين للسلامة كما يلي:
- القانون الأول: لا يجوز للروبوت إيذاء البشر أو حتى يسمح بذلك؛
- القانون الثاني: يجب على الروبوت طاعة أوامر البشر باستثناء ما يتعارض مع القانون الأول؛
- القانون الثالث: على الروبوت أن يحافظ على استمراريته في العمل وسلامته من العطل إلا إذا تعارض هذا مع القانون الأول والثاني؛
وبما أن هذه القوانين ذكرت عرضا في سياق القصة، ‘إلا أن الكثير من العاملين في مجال الذكاء الاصطناعي اعتبروا هذه القوانين بمثابة اتجاه أو تيار فكري بالنسبة لهم، بحيث يقولون بأن الروبوت المثالي يجب أن يتحلى بهذه الصفات، أو أنه لكي لا تنقلب علينا التقنية بعواقب وخيمة يجب علينا برمجة وصناعة الروبوتات بهذه الطريقة.
لعل الغرض من الاعتراف بالشخصية القانونية للذكاء الاصطناعي لهو التوصل الى تحديد الشخص المسؤول عن الأضرار التي تسبب فيها الذكاء الاصطناعي، مما يجعلنا نطرح التساؤل عن المسؤولية المدنية والجنائية للذكاء الاصطناعي.
1- المسؤولية الجنائية للذكاء الاصطناعي
تعد المسؤولية القانونية هي الأساس القانوني، الذي يتم من خلاله توجيه الاتهام بارتكاب الجريمة الى شخص معين، لذلك فلابد من توفر عناصر معينة لتقوم عليها.
فالركن المادي هو ارتكاب فعل أو عدة أفعال مادية تمثل الفعل غير المشروع والذي يعاقب القانون على ارتكابه،والركن المعنوي اللازم لارتكاب الجريمة، وتطبيقا لذلك في مجال الذكاء الاصطناعي، فإذا كان لدينا روبوتا يؤدي عملا ما وبسبب عطب أو خطأ تسبب في إصابة شخص ما أو أودى بحياته، فمن سيتحمل المسؤولية الجنائية في هذه الحالة؟
لانستطيع الإجابة عن هذا السؤال بطريقة واضحة بعد، فما زال هناك جدلا حول الطبيعة القانونية للذكاء الاصطناعي، لكننا سنطرح سؤالا آخر ونجيب عنه بعدة نقاط، فهل يمكننا اعتبار عمل الروبوتات وما في حكمها داخل نطاق المسؤولية الجنائية؟ وكيف تكون نظرتنا القانونية إليها.
ومن جهة أخرى فقد تم وضع بعض التصورات للمسؤولية الجنائية، فيما يتعلق بكيانات وبرامج الذكاء الاصطناعي، ويمكن تلخيصها وفق الشكل التالي:
- مسؤولية ارتكاب الجريمة بواسطة شخص آحر، وستكون التهمة موجه للمبرمج أو المنتج أو المستخدم النهائي؛
- مسؤولية محتملة والعواقب غير متوقعة، وهنا يتم استبعاد العنصر البشري أو المبرمج من تحمل المسؤولية، نظرا لعدم تورطه، والسبب يكون راجعا الى خلل بالطريقة التي كان يجب أن يفكر بها الكيان.
2- المسؤولية المدنية للذكاء الاصطناعي
لقد نشأت من الأبحاث التي تمت وفق منهج نقدي وتحليلي مع التعمق في النصوص القانونية التي حول مدى إمكانية مساءلة الذكاء الاصطناعي في ظل قواعد المسؤولية المدنية عن الأضرار الناتجة عن استخدام الذكاء الاصطناعي، سواء ما بين الاعتبار الشخصي للذكاء الاصطناعي أو قواعد المسؤولية الموضوعية.
وقد اتضح من خلال ذلك أنه لا وجود لتعريف موحد للذكاء الاصطناعي بالرغم من كونه ليس بمصطلح جديد، وقد تعددت تعريفات الفقه حول مفهومه (الذكاء الاصطناعي).
وأغلبها يدور حول قدرة الانسان والآلة، وتنوع المسؤولية المدنية عن أضرار الذكاء الاصطناعي الى مسؤولية عقدية ومسؤولية تقصيرية ومسؤوليةٍ موضوعية حسب الظروف المحيطة بها.
والمسؤولية العقدية تقوم عند الاخلال بالعقد الصحيح، أي عندما لا ينفذ أحد أطراف العقد التزاماته وفقا لما هو محدد في العقد.
أما المسؤولية التقصيرية يشترط لقيامها أن يتم إثبات الخطأ والضرر وعلاقة سببية، وهذا أمر صعب جدا في مجال الذكاء الاصطناعي، نظرا لكون أن تطبيقها يواجه عدة تحديات، من بينها على وجه الخصوص الحالة التي يتخذ فيها الروبوت القائم على الذكاء الاصطناعي قرارات ذاتية من تلقاء نفسه.
أما في المسؤولية الموضوعية على الضرر، فليس على المضرور فيها سوى إثبات العلاقة السببية بين الخطأ والضرر، إلا أن تطبيق هذه المسؤولية على الذكاء الاصطناعي تحول دونها تحديات كبيرة نظرا لعدم قدرة وعدم إمكانية الانسان السيطرة عليه، وعنصر الخطر داخل لا محالة في وظيفته، ويصبح بالتالي الذكاء الاصطناعي مصدرا للمخاطر العامة، فضلا عن القدرة على التعلم واتخاذ قرارات مستقلة.
ومن الآثار المترتبة على قيام المسؤولية عن أضرار الذكاء الاصطناعي "تحقق التعويض"، سواء كان ماديا أو أدبيا، فالشخص المضرور يحصل على التعويض من خلال القضاء، حيث يقوم القاضي بتقدير التعويض على أساس الضرر،لا على أساس الفعل الضار، مراعيا في ذلك للحالة الاجتماعية والمالية للمضرور.
ويتم تعويض الضحية من من خلال التأمين الإجباري في مجال الذكاء الاصطناعي، وكذا صناديق التعويض، وهو ما أطلق عليه الفقه بـ"التعويض التلقائي".
شكرا على زيارتكم لموقعنا، أتمنى أن يكون الموضوع مفيدا بالنسبة لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.