ما هي مصادر القانون التجاري؟
☜ لا تختلف مصادرالقانون التجاري عن مصادر القانون بصفة عامة بإستتناء بعض المرجعيات التي تفرضها طبيعة المعاملات والنزاعات التجارية ووضعية التجار والعلاقات التي تربط هؤلاء بعضهم ببعض.
![]() |
مصادر القانون التجاري |
وإذا كان القانون التجاري المغربي الملغى لم يحدد مصادر القأنون التجاري بشكل صريح فإن مدونة التجارة الجديدة حددت هذه المصادر في المادة الثانية عندما نصت على ما يلي: على أنه يتم الفصل في المسائل التجارية إما بمقتضى قوانين وأعراف وعادات التجارة، أو بمقتضى القانون المدني ما لم تكن فواعده متعارضة مع المبادئ الأساسية للقانون التجاري.
ومن خلال هذه المادة يلاحظ أن المشرع المغربي اكتفى بذكر المصادرالرسمية للقانون في المادة التجارية، دون الإشارة إلى المصادر التفسبرية والمتمثلة أساسا في الإجتهاد القضائي والفقهي.
وعليه سنخصص هذا الموضوع بداية لدراسة المصادر الرسمية للقانون التجاري، في حين نتناول في الشق الثاني للمصادر التفسيرية.
المصادر الرسمية للقانون التجاري
المصادرُ الرسمية للقانون التجاري هي نفس المصادر الرسمي للقاعدة القانونية بشكل عام مع بعض الخلاف في ترتيبها ناتج عن اختلاف طبيعة المعاملات التجارية عن غيرها من المعاملات الأخر ى.
وهكذا فإن المادة الثانية من مدونة التجارة حددت المصادر الرسمية في التشريع التجاري ويليها العرف التجاري وعادات التجارة تم التشريع المدني في المرتبت الأخيرة من حيث التدرج.
1- التشريع التجاري كمصدر رسمي للقانون التجاري
إن التشريع التجاري يعد المصدر الرسمي الأول للقانون التجاري، حيث يتعين على القاضي اللجوء اليه لحل النزاعات المتعلقة بالمسائل التجارية.
☚ والمقصود بالتشريع التجاري مجموع نصوص القانون التجاري المغربي المنظمة للتجارة والأعمال ذات الاتصال المباشر بالتجارة، وتأتي على رأسها:
- مدونة التجارة لسنة 1996.
- القوانين المتعلق بالشركات.
- قانون المالية الصناعية.
- القانون المتعلق بمؤسسات الإئتمان ومدونة التامينات.
وغيرها من النصوص التي سبقت الإشارة إليها عند تناول تطور القانون التجاري المغربي، هذا وفضلا عن القوانين التجارية، فإن هناك العديد من النصوص الواردة القأنون الجنائي المغربي التي تناولت ما يلي:
- الجرائم المتعلقة بالنشاط التجاري والصناعي والمزايدات العمومية (الفصول من 287 الى 292).
- تزوير الأوراق المتعلقة بالتجارة والبنوك (الفصول 357الى 359).
- إفشاء أسرار الصنع (الفصل 447).
وإلى جانب النصوص التشريعية التجارية الداخلية هناك المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تسن قواعد قانونية موحدة تلتزم بها الدول الموقعة عليها في علاقتها التجارية الدولية تفاديا لقيام تنازع بين قوانينا الوطنية.
وفي هذا الإطار انضم المغرب إلى عدة اتفاقيات التي تنظم العلاقات التجارية الدولية سواء في إطار الملاقات الخارجية للدول الموقعة بحيث تظل العلاقات التجارية الداخلية خاضعة للقانون الداخلي، أو من خلال سن قوانين موحدة لجميع الدول المتعاقدة على ان تتعهد هذه الدول بتعديل قانونها الداخلي بأن يطابق قواعد المعاهدات بحيث تصبح هذه الأخيرة بمثابة فانون داخلي.
كما هو الشأن بالنسبة لاتفاقية جنيف لسنة 1930 الخاصة بتوحيد قواعد الكمبيالة والسند لأمر، واتفاقية جنيف لسنة 1931 المتعلقة بالشيك.
كما تعتبر مصدرا تشريعيا أيضا المراسيم والقرارات الصارة عن السلطة التنفيذية لتطبيق القوانين التجارية او تنظيم بعض أوجه الأنشطة التجارية من ذلك النصوص التطبيقية المتعلقة بمدونة التجارة.
2- العرف والعادات التجارية كمصادر رسمية للقانون التجاري
بالرغم من أن القانون التجاري قانون مقنن فإن للعرف والعادات الإتفاقية مكانة بارزة فيه، بل إن أغلب قواعد القانون التجاري تبقى أصلها قواعد عرضية أو عادات تم تقنينها، كما أن العمليات التجارية الدولية تبقى في غالبيتها محكومة بعرف تجاري دولي.
أولا العرف التجاري
يعتبر العرف التجاري حسب المادة الثانية من مدون التجارة المصدر الثاني للقانون في مادة التجارة، ويقصد به مجموعة من القواعد الذى درج التجار على اتباعها فترة طويلة من الزمن في معاملاتهم التجارية مع اعتقادهم بإلزاميتها وضرورة احترامها إلى أن استقرت كقواعد ملزمة لهم كما هوالشأن بالنسبة للنص التشريعي.
ويعتبر العرف أكثر ملائمة للبيئة التجارية المتسمة بالمرونة والسرعة والإنتمان، الأمر الذي جعل المشرع يرجحه على قواعد القائون المدني في الترتيب من حيت المصادر.
فالقاعدة العرفية التجارية تعتبر نصا خاصا بالمجال التجاري، في حين ان النص المدني يعتبر نصا عأما، والمبدأ المستقر هو أن النص الخاص صاحب الأولوية في التطبيق على النص العام، غير أنه في حالة التنارع بين نص تجاري وعرف تجاري فإن الأولوية تكون للنص التجاري الأمر.
ومن الأمثلة على العرف التجاري، القاعدة التي تقضي بتسليم المبيع في أجل معين إذا لم يعين لذلك أجل في عقد البيع التجاري، والقاعدة العرفية التي تحدد عمولة السمسار في نسبة معينة من قيمة الصفقة، وذلك في حالة عدم تحديدها في عقد السمسرة.
هذا ويجري ترجيح الأعراف والعادات الخاصة والمحلية على العرف العام وذلك بمقتضى المادة الثالثة من مدونه التجارة.
وتجدر الإشارة في الأخير إلا انه بالنظر إلى كون العرف التجاري قاعدة قانونية، فإنه يفترض علم القاضي به ولا يكلف الأطراف بإثباته أمامه كما يتعين عليه أن يطبقه من تلقاء نفسه ودون طلب ذلك من اطراف النزاع.
ويخضع القاضي في تطبيقه للعرف التجاري بإعتباره قانون خاصا الى رقاب محكمة النقض فيما يتعلق بوجوده وتطبيقه لأن المسالة تتعلق بالقانون لا بالواقع.
ثانيا: عادات التجارة
العادات التجارية هي عمل أو موقف درج التعامل التجاري عليه مدة من الزمن دون أن يتوافر الاعتقاد في إلزاميته وضرورة احترامه.
ويتضح من خلال ذلك أن العادات التجارية تطبق إذن بين المتعاملين في الميدان التجاري إستنادا إلى الإرادة الضمنية أو الصريحة للمتعاقد، بمعنى إعمالا لمبدأ سلطان الإرادة على اعتبار اتفاق الأفراد قد اتجه ضمنا الى الأخذ بها.
ولذلك تسمى بالعادة الإتفاقية والتي يجوز للأفراد استبعاد تطبيقها بالتنصيص صراحة على ذلك في العقد، أو بإثبات أن إرادتهم لم تتجته إلى تطبيقها كالجهل بوجودها، وهي في هذا الشأن تختلف اختلافا جوهريا عن العرف.
فهذا الأخير يعتبر قاعدة قانونية تستمد قوتها الإلزامية من الجماعة وليس من سلطان الإرادة كما هو الشأن في العادة الإتفاقية حيث يتوجب على من يتمسك بها إثبات وجودها ومضمونها بكافة وسائل الإثيات بما فيها شهادة الشهود، ولا يصح التمسك بها إلا إذا كانت عامة وثابتة وعادلة وغيرمخالفة للنظام العام وحسن الأداب.
ولما كانت العادة بمثابة شروط ضمنية في العقد فإن للقاضي سلطة تقديرية واسعة في تقر ير وجوده من عدمه، لأن الأمر يتعلق بمسألة واقع لا يخضع فيها القاضي لرقابة محكمة النقض على خلاف العرف كما سبق وأن رأينا.
ونجد في الميدان التجاري وجود العادة الاتفاقية بكثرة، منها ما جرت عليه العادة على عدم تحميل الناقل مسؤولية الخسائراللاحقة بالبضائع أثناء النقل البحري، مثلا كزيادة الرطوبة في القمح المشحون، وكذلك العادة التي جرت في بيع الخشب بأن يتحمل المشتري العيب الذي لا يكشف إلا بعد القطع.
ومثلها العادة التي مؤداها أن فاتورة الأثمنة الخاصة الخالية من كل بيان تفيد أنها معفاة من أي رسم ضريبي.
والواقع ان مثل هذه العادات تستند إلى الإرادة الصريحة أو الضمنية للأطراف في معاملاتهم التجارية مما يقتضي علمهم بها، وهي بذلك لا تسري إلا على الحرفيين والمهنيين الذين يفترض علمهم بها.
🖗 أسئلة متعددة الإختيارات QCM في القانون التجاري- الجزء الأول 🖗
وتجدر الإشارة الى أن المشرع بمقتضى المادة 2 من مدونة التجارة قد رجح العادة الاتفاقية على نص مدني آمر، بالرغم من أن هذه العادة لا تستمد إلزاميتها من إرادة الأطراف التجارية، و كذلك لا تعتبر قاعدة قانونية ملزمة كما هو الحال بالنسبة للعرف التجاري.
والواقع هنا أن ترجيح العادة على النصوص المدنية الآمرة، إنما مرده الى كون أن العادات أكثر ملائمة للبيئة التجارية، وبالتالي فإن القانون التجاري يظل مرجعا احتياطيا للقانون التجاري، وحتى على فرض وجود نصوص مدنية أمرة تنظم مسائلة تجارية فإنها تبقى نصوصا عامة حلت محلها بمقتضى مدونة التجارة نصوصا تجارية خاصة وهذه الأخيرة تقدم على الأعراف والعادات التجارية في كل الأحوال.
3- التشريع المدني كمصدر رسمي للقانون التجاري
يعتبر القانون المدني الشريعة العامة لمختلف فروع القانون الخاص بما فيها القانون التجاري، وعليه فإنه من المنطقي الرجوع إليه عند غياب ذص في المادة التجارية أو انعدام العادة أو العرف التجاري المنظم لإحدى المسائل المعروضة على القضاء.
غير أن النص المدني لا يطبق حتما في هذه الحالات وإنما يجب أن يكون متفاقا مع المبادئ الأساسية للقانون التجاري والمتمثلة في السرعة والإذتمان، أما إذا تعارض النص المدني مع هذه المبادئ فإنه يتعين استبعاده وهو ما نصت عليه المادة الثانية من مدونة التجارة.
المصادر التفسيرية للقانون التجاري
☜ المقصود بالمصادر التفسيرية للقاذون التجاري تلك المصادر الاختيارية التي يستأنس بها القاضي لإيجاد الحلول للنزاعات التجارية المعروضة عليه، فهي مصادر غير ملزمة للقاضي باعتبارها ليست قانونا إنما يتمتع إزاءها بسلطة اختيارية.
ومن أهم المصادر التفسيرية للقانون التجاري الإجتهاد القضائي والفقه التجاري.
1- الاجتهاد القضائي كمصدر تفسيري للقانون التجاري
يقصد بالاجتهاد القضائي مجموعة من الأحكام والقرارات، الصادرة عن مختلف المحاكم في المنازعات التجارية التي عرضت عليها.
والملاحظ أن الاجتهاد القضائي كان له فضل في إرساه العديد من قواعد القانون التجاري، كما هو الشأن بالنسب لنظرية الشركة الفعلية ونظرية الظاهر وكذلك نظرية تعسف الأغلبية والأقلية في شركات المساهمة ونظرية المدير المؤقت في قانون الشركات.
هذا وقد احدثت في المفرب ابتداء من سنة 1997 المحاكم التجاري، كما تم إحداث غرف تجارية لمحكمة النقض وذلك استجابة لما تتطلبه المنازعات التجارية من قضاء متخصص وملم بخصوصيات التجارة وأعرافها وعاداتها وكذا بالمعطيات العامة الاقتصادية والمالية والاجتماعية المحيطة بعالم المقاولة.
2- الفقه التجاري كمصدر تفسيري للقانون التجاري
يقصد بالفقه التجاري مجموعة من آراء الفقهاء من رجال القانون والأساتذة والباحثين الجامعيين الذين عملوا على شرح نصوص القانون التجاري، وبسط النظريات الفقهية، وتحليل الأحكام القضائية، والتعليق عليها.
وهو ما يجعل من الفقه مصدرا استئناسيا مهما يساعد القاضي في إيجاد الحل السليم للإشكالات القانونية المعروضة غليه، بل إن المشرع يعتمد أحيانا كثيرة النظريات الفقهية عند وضعه لنصوص جديدة أو تعديل النصوص القائمة.
وفي ختام هذا المبحث وبعد رصدنا لمصادر القانون التجاري الرسمية كما حددها المشرع المغربي في مدونة التجارة وإبرازنا للمصادر التفسيرية فإنه لابد من الإشارة إلى أن مجموعة من المبادئ القانونية العامة المؤطرة للنشاط الاقتصادي بشكل عام والتجاري بشكل خاص والتي تضمنها الدستور المغربي، وهي المبادئ التي تبقى موجهة لعمل القضاء ويتعين على الإدارة التقيد بها حتى تكتسي أعمالها صبغة المشروعية.
ويأتي على رأس هذه المبادئ:
- مبدأ حرية المبادرة التجارية.
- الحق في الوصول إلى المعلومة وغيرها من المبادئ الداعمم للمنافسة الشريفة.
وفي هذا الإطار يأتي تنصيص الدستور المغربي الجديد على عدة مجالس دستورية لها صلة مباشرة بالميدان التجاري من قبيل مجلس المنافسة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.