أهم معايير تمييز الأعمال التجارية عن الأعمال المدنية
يشكل مفهوم العمل التجاري محورا أساسيا للقانون التجاري إذ بممارسته على وجه الاعتياد او الاحتراف يكتسب الشخص بحسب الأصل صفة التاجر.
![]() |
الفرق بين الأعمال التجارية والأعمال المدنية |
كما انه يخضع مقارنة بالأعمال المدنية لعقود خاصة ينص عليها القانون التجاري تستمد مقوماتها من طبيعة البيئة التجارية لكن وحيث أن المشرع المغربي لم يقم بوضع تعداد جامع ومانع للأعمال التجارية، وإنما تبنى اسلوبا مرنا يسمح بضم ما يستجد من أنشطة إلى المجال التجاري، فإن الحاجة تبقي قائمة لتحديد الأعمال التجارية عن الأعمال المدنية.
وفي هذا الإطار اهتدى الفقه والقضاء إلى نظريات وضوابط عديدة للتمييز بين الأعمال التجارية والأعمال المدنية وهذه النظريات منها ما ترتكز على اعتبارات اقتصادية ومنها ما تعتمد ضوابط قانونية.
المعايير القائمة على اعتبارات اقتصادية
تستند المعايير القائمة على اعتبارات اقتصادية إلى ثلاث نظريات أساسية.
وسنتعرف فيما يلي بداية على نظرية المضاربة ثم نظرية الوساطة وأخيرا لنظرية التداول.
نظرية المضاربة
يرى انصار نظرية المضاربة أن أهم ما يمكن أن يميز العمل التجاري عن العمل المدني هو المضاربة التي يقصد بها السعي وراء تحقيق الربح.
- فالعمل يكون تجاريا إذا كان الهدف من مزاولته هو الحصول على الربح، كشراء المنقولات بنية البيع أو الإيجار.
- أما إذا كان العمل بالمجان كالأعمال الخيرية أو كان القائم به يهدف إلى تقديم خدمت اجتماعية وتحقيق منافع عامة كأعمال التعاونيات الخاصة بالموظفين وعمليات التامين التبادلي أو التعاضدي كان العمل مدنيا.
وتجدر الإشارة في هذا الشان إلى أن الربح المقصود لا يعني فقط الربح الأني وإنما ينصرف أيضا إلى الربح على المدى المتوسط أو البعيد.
فالتاجر قد يقوم بالبيع بدون ربح، أو أحيانا بالخسارة من أجل استمالة الزبناء، أو من أجل تصريف بعض البضائع لتعويضها بأخرى أو بهدف منافسة التجار الآخرين.
ففي مثل هاته الحالة يعتبر النشاط التجاري تجاريا بناء لى نظرية المضاربة بالرغم من عدم تحقيق الربح في المدى المتوسط أو البعيد حتى لو أدى الأمر إلى تحمل خسارة وقتية.
وبمكن القول على أن هذه النظرية تتضمن جانبا من الحقيقة وأنها تبقى إحدى مميزات العمل التجاري، غير أنه لا يمكن اعتمادها كضابط وحيد لتمييز العمل التجاري عن العمل المدني.
فالعديد من الأعمال المدنية مثل الزراعة والهن الحرة تقوم كذلك على تحقيق الربح، كما أن هناك بعض الأعمال تعتبر تجارية بنص القانون بالرغم من عدم قيامها على قصد تحقيق الربح.
كما هو الشأن في الأوراق التجارية، فمجرد التوقيع على الكمبيالة يعتبرعملا تجاريا ولو لم يكن الغرض منه المضارب وحتى لولم يكن الموقع تاجرا.
نظرية الوساطة
اعتمد الفقه والقضاء في بعض الأحيان نظرية الوساطة للتمييز بين الأعمال التجارية والأعمال المدنية بحيث أن كل عمل لا تتخلله الوساطة بين المنتج والمستهلك يعد عملا مدنيا ولو كان في شكله يماثل النشاط التجاري كما هو الشان بالنسبة لأعمال الإنتاج الأولي التي يقوم بها المزارع والمبدع والمفكر إذ كل من هؤلاء يبيع ما ينتجه من أعمال دون وساطة.
ويجب لاعتبار الوساطة تجارية أن تقترن بنظرية المضاربة، فأعمال الوساطة لا يمكن اعتبارها تجارية إلا إذا كانت بنية المضاربة، و وتطبيقا لذلك تعتبر أعمال السماسرة في بورصة القيم أعمالا تجارية لأنها تقوم على المضاربة بقصد تحقيق الربح.
إلا أن هذه النظرية لا يمكن أن تصلح كمعيار وحيد للتفرقة بين الأعمال المدنية والأعمال التجارية، وذلك لأن هناك أعمال تجارية تعتبر بالرغم من عدم قيامها على الوساطة في التداول مثل الأوراق التجارية.
ثم إن هناك أعمال تتخللها الوساط ورغم ذلك لا يمكن اعتبارها تجارية كالوساطة في الزواج لافتقارها لعنصر المضاربة.
نظرية التداول
إن مؤدى هذه النظرية أن معيار التفرقة بين العمل التجاري والعمل المدني هو فكرة التداول، ذلك أن التجارة تقوم على أساس الوساطة في تداول وتوزيع الخيرات.
أي أن التدخل في عمليات تداول الخيرات بين المنتج والمستهلك وعليه فإن كل عمل يساعد على القيام بهذه العملية يعتبر عملا تجاريا كالبيع بالجملة أو للمستهلكين مباشرة وكأعمال النقل.
ويؤخذ على هذه النظرية أن التداول لم يعد مقتصرا على الحياة التجارية وإنما عم سائر الأعمال تجاريةً كانت أممدنية ثم إن هناك من الأعمال تعتبر تجارية وإن لم يتحقق فيها أي تداول كما هو الشأن بالنسبة لعقد نقل الأشخاص.
ذلك أنه لا يمكن قبول فكرة تداول الأشخاص لأنها تتنافى مع الكرامة البشرية وعليه إذا صح إضفاء الصبغة التجارية على نقل البضائع اعتمادا على نظرية التداول فإن الصفة التجارية لعقد نقل الأشخاص ترتكز على مقومات اخرى تكتسي صبغة قانونية ومرتبطة ببنية الإطار الذي يمارس في نطاقه النشاط التجاري كالمقاولة والحرف التجارية.
المعايير القائمة على اعتبارات قانونية
أمام الانتقادات التي وجهت إلى المعايير القائمة على اعتبارات اقتصادية والتي لا تكفي بذاتها لإقامة التفرقة الضرورية بين الأعمال التجارية والأعمال المدنية ظهرت نظريات جديدة اعتمدت ضوابط قانونية وبنيوية صرفة وذلك على الشكل التالي:
1- نظرية السبب.
2- نظرية المقاولة أو المشروع.
1- نظرية السبب
تعتمد هذه النظرية على الباعث الدافع إلى التعاقد:
- فإن كان الباعث تجاريا كان العمل تجاريا كذلك.
- أما إذا كان هذا الباعث مدنيا فإن العمل يكتسي صبغة مدنية.
وهكذا فشراء المنقولات أو العقارات بنيت بيعها يعتبرعملا تجاريا لأن الباعث عليه هو باعث تجاري وهو نية المضارب من أجل تحقيق الربح.
أما الشراء من أجل الاستهلاك أو الاستعمال الشخصي فيعد عملا مدنيا، ولو جاء مجمله مطابقا للأعمال التجاري المحددة قانونا طالما أن الباعث عليه ليس تجاريا وإنما مدنيا ويؤخذ على هاته النظرية صعوبتها وعدم دقتها وذلك لكون الباعث ليس مظهرا خارجيا يمكن إدراكه بسهولة وإنما هو من الأمور الباطنية أو النفسية التي يصعب التوصل اليها.
وهو ما دافع ببعض الفقهاء الى المناداة بضرورة الاستعانة، بالظروف المحيطة بكل عمل على حدة لمعرفة الباعث عليه، فالشخص الذي يشتري عشرات السيارات لا يمكنه أن يدعي أن الشراء كان من أجل البيع، وهي قرينة بسيطة تقبل إثبات العكس.
2- نظرية المقاولة أو المشروع
يذهب، أنصار نظرية المقاولة أو المشر وع إلى أن النشاط التجاري هو ذلك النشاط الذي يتم في إطار مشروع أو مقاولة أي تكرار القيام بالعمل على وجه الاحتراف، يتم من خلال ننطيم مسبق يتجسد في استخدام يد عاملة وتوظيف رأس مال وأجهزة.
لذلك فهذه التظرية لا تنطلق في تحديد العمل التجاري من صفات ذاتية يجب أن تتوفر فيه بل من الإطار الذي يمارس فيه.
فإن مورس من خلال المقاول اعتبر تجاريا أيا كان نوعه وإن لم يمارس من خلال مقاولة اعتبرعملا مدنيا.
فالنقل مثلا يعتبر عملا تجاريا إذا قامت به مقاولة تحترف النقل، ويعتبر عملا مدنيا إذا فام به شخص عادي، وبشكل منفرد يفتقر إلى الاحتراف حتى لو توفر فيه عذصر المضاربة أو الوساطة أو التداول.
ويمكن تعريف المقاولة بأنها:
وحدة اقتصادية وقانونية تحتوي على العناصر البشرية والمادية اللازمة لتحقيق نشاط افتصادي معين ، أي أنها إطار يستند على تنظيم مادي وإدارة بشرية وأجهرة ورأس مال ووسائل مادية وقانونية أخرى لتحقيق غرض معين يكون هدف المقاول.
ولعل كل هاته العناصر هي التي تجعل المقاول كإطار تنظيمي يضمن ممارسة احترافية للتجارة، تتميز عن الحرف رغم تشابههما من حيت تكرار الأعمال المكونة لهما.
فالحرفة رغم أنها تتضمن ممارسة نشاط على وجه معتاد بقصد التعايش فإنها لا تتطلب بذاتها وجود التنظيم القائم في المقاولة، وذلك مثل البائع المتجول الذي يزاول حرفة التجارة في غياب أي تنظيم مادي.
والواقع أنه بالرغم من الدور الذي باتت تلعبه المقاولة كفاعل في إطارٍ منظم يضم وسائل نادية وبشرية مهمة مما يضفي عليها الصبغة التجارية، غير أن نظرية المقاولة تبقى بدورها قاصرةً على وضع معيار شامل لكافة الأعمال التجارية.
- فهي من جهة تحصر العمل التجاري في العمل الذي يتم من خلال المقاولة في حين أن هناك أعمالا تعتبر تجارية حتى لو تمت في غياب مقومات المقاول مثل أعمال التجارة البسيط كالسمسرة من دون انخاد مقر العمل.
- كما أنها من تجعل بعض الأعمال المدئية كالمشروعات الفلاحية والمهنية تكتسي طابعا تجاريا لا لشيء إلا لأنها تتم في إطار المقاولة.
ولعل هذه الاعتبارات هي التي جعلت المشرع المغربي يعتمد صبغة لا تستلزم ممارسة النشاط التجاري على وجه الاحتراف أي من خلال المقاولة.
وإنما تكفي ممارسته على وجه الاعتياد في غياب أي إطار منظم وهو ما نصت عليه المادة السادسة من مدونة التجارة إذ جعلت اكتساب صفة التاجر مرتبطة بمجرد اعتياد ممارسة نشاط تجاري من دون توفر شروط المقاولة.
كما هو الشان بالنسبة للنقل، إذ أن أصحاب سيارات الأجرة الذين يستغلون بأنفسهم سياراتهم دون أن يضاربوا على عمل الغير وفي غياب مقرات العمل الخاصة بهم يعتبر نشاطهم نشاطا تجاريا ويكتسبون صفة التاجر.
كذلك نفس الأمر ينطبق على النشاط التجاري الحرفي حيت أصبح طبفا لبند المادة 6 نشاطا تجاريا حتى مع عدم توفر المضاربة على عمل الغير فيه، وبالتالى افتقاده لخاصية التوسط في التداول، كما هو الشان بالنسبة لأعمال الصيانة.
من خلال كل ما سبق يتضح أن المشرع المغربي في ننظيمه للأعمال التجارية في المواد 6- 7- 9- 10 من مدونة التجارة لم يتبنى معيارا واحدا للتمييز بين الأعمال المدنية والأعمال التجارية، وإنما عمد إلى تبني أكثر من معيار حيت أخذ بمعيار المضاربة وكذا معيار الوساطة عندما أقر بتجارية عملية الشراء بنية البيع وبقصد الاتجار (البند 1 من المادة 9).
كما تبنى معيار المقاولة من خلال التنصيص في المادتين السادسة والسابعة من المدونة على العديد من الأنشطة التجارية التي لا يمكن تصور تعاطيها إلا من خلال مقاولة، كما هو الشأن بالنسبة للتنقيب عن المناجم والمقالع واستغلالها (البند 4 من المادة 6) والبنك والقرض والماء والكهرباء والغاز (البند 17) والبريد والمواصلات (البند 18).
ومع ذلك فإن هناك أعمالا اعتبرها المشرع تجارية من حيت الشكل لاعتبارات عملية حتى لو لم تتوفر فيها مقومات العمل التجاري كما هو الشأن بالنسبة إلى الكمبيالة والسند للأمر (المادة 9).