ما هي خصائص القانون التجاري؟
✍ يتميز العمل التجاري بعدة خصائص اقتضت استقلاله بتنظيم قانوني متميز عن القانون المدني كشريعة عامة، وقادر على التأقلم والإستجابة لحاجيات البيئة التجارية. فالقانون المدني باعتباره الشريعة العامة كان يطبق على سائر المعاملات المالية بصفة عامة بصرف النظر عن طبيعتها ولا صفة القائم بها.
![]() |
أهم خصائص القانون التجاري |
غير أن البيئة التجارية التي يسودها أنشطة وأعمال تتميز على خلاف الأعمال المدنية بالسرعة والتكرار والحاجة إلى الإئتمان وجعل القانون التجاري يقدم حلولا قانونية ويستعمل تقنيات خاصة به من شأنها الاستجابة لطبيعة المعاملات التجارية وعدم الاكتفاء بالمبادئ المستقرة في النظرية العامة للالتزامات.
1- السرعة فى إنجاز العمل التجاري
تتميز المعاملات التجارية بخاصية أساسية تكمن في السرعة في إنجازها وتنفيذها وذلك على عكس المعاملات المدنية التي تتصف بالبطء وندرة وقوعها في الحياة اليومية.
ومن مظاهر هذه السرعة أنه:
- في كثير من الأحيان تباع السلع قبل شرائها حيث تسلم عند شرائها من البائع الأول إلى المشتري الثاني، وهكذا فالتاجر لا يكف عن إبرام المعاملات سعيا منه إلى تحقيق الربح، إذ أن كل تأخير أو تردد من جانبه من شأنه أن يضيع عنه فرصة الربح.
- ثم إن بعض المعاملات التجارية يكون محلها عبارة عن سلع ومنقولات قد تتعرض للتلف أو الضياع إذا ما تأخرت أحيانا عملية التعامل فيها مما يقتضي السرعة في إنجازها.
ولعل اتسام المعاملات التجارية بالسرعة إستلزم وضع قواعد خاصة بالقانون التجاري بهدف تبسيط الإجراءات والابتعاد إلى حد كبير عن الشكلية التي تطبع المعاملات المدنية وتجعل من القانون المدني قانونا شكليا.
وهكنا فالأصل هو حرية الإثبات في المواد التجارية مهما كان المبلغ المراد إثباته بخلاف ما عليه الأمر في القانون المدنى حيت يتعين الإثبات بالكتابة متى كانت قيمة التصرف تزيد على عشرة الاف درهم.
ومن نتاج تبسيط إجراءات التعاقد والإثبات، للتجار بإبرام صفقاتهم بشفاهة أو بواسط الهاتف او غيرها من الوسائل التكنولوجية الحديثة كالتعاقد عبر شبكة الانترنت.
ومن قواعد القانون التجاري التي تستهدف ضمان السرعة في المعاملات التجارية تلك المتعلقة بتداول الحقوق بالتظهيرأو مجرد التسليم كالأسهم لحاملها.
وهكذا فالمبدأ هو حرية الإثبات، في المادة التجارية طبقا لما تنص عليه مدونة التجارة في المادة 334 والتي يتضح بمقتضاها على أن المادة التجارية يخضع لحرية الاثبات إلا انه يتعين الاثبات بالكتابة كلما نص القانون أو الإتفاق على ذلك.
فالمشرع يتطلب في بعض العقود التجارية الإثبات عن طريق الكتابة كما هوالشأن بالنسبة للعمليات الواردة على الأصل التجاري مثل البيع (المادة 81 من المدونة الجديدة) والرهن (المادة 104) وتقديم الأصل التجاري حصة في الشركة (المادة104).
وكذلك الشان بالنسبة لإنشاء معظم الشركات التجارية المادة 11 من القانون المنظم لشركات المساهمة والمادة 1 الفقرة 2 من القانون المنشئ لباقي الشركات.
في نفس السياق قد يتفق المتعاقدون من التجار على إثبات اتفاقاتهم بالكتابة، والملاحظ مما سبق أن مبدا حرية الإثبات في الميدان التجاري يخضع لعدة قيود سواء قانونية أو اتفاقية وهو ما يعني أن الشّكلية تبقى حاضرة في الميدان التجاري.
غير أن هذه الشكلية أو الرسمية أو الكتابة تهدف إلى غايات تتعلق بتنظيم التجارة وحماية الصالح العام، وتقليص حجم المنازعات، كما ترتبط بالسياسات العامة للدولة في إطار الإشراف والرقابة على الأنشطة التجارية تحقيقا لسياستها المالية والاقتصادية.
فالمشرع تدخل بتنظيم العقود التجارية النموذجية او المتعلق بمعاملات خاصة كما هو الشأن بالنسبة لعقود التامين والقرض، كما أن المعاملات التجارية أدت إلى تطور آليات وشكليات تقوم على استخدام ميكانيكي لصورالتعاقد كما هو الشأن بالنسبة للعديد من العقود البنكية أو البورصة أو الأوراق التجارية.
2- اعتماد التجارة على الائتمان
يقوم النشاط التجاري على الإئتمان، ومعناه التنازل عن مال حاضر مقابل مال مستقبل، أو بتعبير أخر هو القيام بتقديم مال معين من طرف دائن لشخص أخر يصبح مدينا على أساس استرداده بعد مدة محددة.
ويعتبر الانتمان محور العمليات التجارية، ذلك أن اغلبها يتم بأجل، فالبنك يقرض بائع الجملة على أن يسدد بعد بيع البضائع، وهذا الأخير يبيع للتاجر بالتقسيط، نفس الشيء بالنسبة إلى المصنع الذي يبيع منتوجه للموزع، مما يجعل التجار يرتبطون فيما بينهم بعلاقات متشابكة أساسها الثقة المتيادلة بحيث أن كل واحد منهم يكون دائنا ومدينا نفس الوقت.
واعتبارا للأهمية التي يكتسيها الائتمان في المجال التجاري وتفاديا لما قد يترتب عن الإخلال به من اضطراب في المعاملات التجارية فإن القانون التجاري يقرر ضمانات للدائنين على المدينين المخلين بالائتمان تكفل لهم تحصيل ديونهم تاريخ استحقاقها من خلال توقيع جزاءات صارمة.
وهكذا ذجد أن القانون التجاري يهتم بحماية الإئتمان وتطويره في مختلف صوره مع دعمه مركز الدائن بتوفيه له حماية أكبر وتقوي حقوقه على حساب المدين، وذلك على خلاف ماهو عليه الأمر في القاذون المدني الذي يوفر حماية أكبر للمدين، ويمكن استجلاء ذلك في النقط التالية:
أولا- بالنسبة للتضامن بين المدين
إذا كان التضامن بين المدينين في المجال المدني لا يفترض إلا إذا كان هناك اتفاق صريح أو نص قانوني خاص طبقا للفصل 164 من قانون الالتزامات والعقود فإنه في الميدان التجاري ريعتبر التضامن بين المدينين بالترامات تجارية مفترضا وهو ماتنص عليه المادة 335 من مدونة التجارة.
وهو ما يعني أن الدائن يكون له الرجوع على أي من المدينين ويطالبه بكامل الدين ولا يستطيع أن يرفض ذلك بدعوى الرجوع على باقي المدينين وأن يدفع فقط نصيبه من الدين.
ثانيا- بالنسبة للإجراءات المتخذة لا حالة توقف المدين عن الدفع
تقوية للائتمان فقد أوجد الفانون التجاري نظاما للتصفية الجماعية لديون التاجر المفلس وبمقتضاه يتم غل يده عن إدارة أمواله بيعها وسداد الديون من حصيلتها بصورة جماعية وبالمساواة بين الدائنين تحت إشراف القضاء.
وذلك بخلاف ما هو عليه الأمر في القانون المدني حيث أن المدين بِدين مدني يحتفظ بممتلكاته لهذا الغرض طبقا للمبدأ الذي يقضي بأن الوفاء بالديون.
يكون للدائن الذي يبادر قبل غيره إلى اتخاد الإجراءات ضد المدين، ويستثنى من ذلك الدائن الذي يكون له امتياز أو رهن أو حق الحبس على ممتلكات المدين حيت يكون له حق الأولوية في استيفائه دينه منها (الفصول من 1241 إلى 1251 من قانون الالتزامات والعقود).
ثالثا- بالنسبة لإنذار المدين بالتنفيذ
في حالة الالتزام التجاري فإنه لا يستوجب في الإنذار أن يكون بوسيلة كتابية، بل يمكن أن يتم شفويا بأي وسيلة أخرى غير كتابية مثل المكالمة الهاتفية ما لم يستوجب نص خاص شكل محدد للإندار كما في حالة عدم الوفاء بالكمبيالة أو الشيك أو السند لأمر.
أما في حالة الالتزام المدني فإن الإنذار متى تعين توجيهه وجب أن يوجه كتابة إما بواسطة البريد المضمون أو بأي طريقة قانونية أخرى.
رابعا- بالنسبة للاعتداد بالارادة في إبرام التصرف
إذا كان القانون المدني يقوم أساسا على مبدأ الحرية التعاقدية بناء على مبدأ سلطان الإرادة حيت يتم عادة البحت عن الإرادة الحقيقية للأطراف عند تفسير التصرفات القانونية.
فإنه في القانون التجاري وتعزيزا للإئتمان التجاري تكون العبرة بالإرادة المعلنة الظاهرة وذلك عبر إضفائه المصداقية على الأوضاع الظاهرة التي تولد في نفس الوقت ثقة مشروعة.
من ذلك اعتباره الشركة باطلة (شركة واقع)، وتحميل الشركة المسئوولية تجاه الغير عن تصرفات مسيريها التي تتجاوز حدود صلاحياتهم، وإضفائه صفة تاجر على الممنوعين من ممارسة التجارة.
وهكذا إذا اتضح أن شركة ما أضحت باطلة بعد مباشرة نشاطها مدة معينة ودخولها في علاقات مع الغير حسني النية، فإن هذا البطلان لا يؤثر على صحة الإتفاقات المبرمة تنفيذا لذلك، بل تبقى صحيحة مما يعني أن البطلان لا يكون له أثر رجعي وإنما تنحل الشركة، بالنسبة للمستقبل فقط.