الانابة القضائية في ضوء قانون المسطرة الجنائية
![]() |
الانابة القضائية في ضوء قانون المسطرة الجنائية |
أوكل المشرع المغربي القيام بمهمة التحقيق الاعدادي لقاضي التحقيق بحيث أعطاه صلاحيات واسعة يمارسها بمفرده، ذلك وأن المشرع يحرص كل الحرص على أن يقوم قاضي التحقيق باتخاذ جميع الإجراءات الضرورية بنفسه نظرا لما تلعبه الإجراءات في التوقيف على مختلف العناصر والمعطيات المرتبطة بالجريمة التي يجري التحقيق في شأنها.
وبفعل العديد من الظروف التي قد تطرأ والتي تكون حائلا أمام قيام قاضي التحقيق بجميع الاختصاصات المخولة له، ومن ذلك على سبيل المثال "اختصاصه الإقليمي"، فقد يستلزم التحقيق القيام بعدة إجراءات في ان واحد وفي أماكن مختلفة، وقد خول له المشرع بشأن ذلك اللجوء الى غيره لأداء بعض من مهامه، وهذا ما يسمى بـ "الإنابة القضائية".
وسنتعرف من خلال هذا الموضوع بداية على تحديد مفهوم الانابة القضائية بعدها نحدد نطاقها وبيان أهم شروطها.مفهوم الانابة القضائية
لقد تناول المشرع المغربي هذه الانابة في المواد من 189 الى 193 من قانون المسطرة الجنائية (يمكنك الاطلاع على المواد أسفل المقال).تعد الانابة القضائية إجراء بمقتضاه يكلف قاضي التحقيق أشخاصا وضعهم القانون تحت تصرفه لأجل إتمام بعض أعمال التحقيق التي يفترض أنها خاصة بالسلطة القضائية وحدها.
نطاق الانابة القضائية
سيتم معالجة نطاق الانابة القضائية كإجراء من إجراءات التحقيق في نقطتين. سنخصص أولهما للحديث عنه من حيث الأشخاص، بعدها نخصص النقطة الثانية للحديث عن نطاقها من حيث الأعمال المكلف بها.أولا: نطاق الانابة القضائية من حيث الأشخاص
يمكن لقاضي التحقيق أن يوجه إنابة قضائية الى أي قاضي من قضاة محكمته أو أي قاضي من قضاة التحقيق لأجل لتنفيذها في الأماكن الخاضعة للجهة القضائية التي يتبع لها كل منهم.
والأمر هنا ما هو إلا تغيير فقط في الأشخاص القائمين بمهمة التحقيق ما دام المكلف بالمهمة هو دائما قاضي، بمعنى أن هذه الانابة القضائية لا تثير من حيث المبدأ أي مشاكل خاصة فيما يتعلق بمسألة الحريات الفردية.وإذا رجعنا للمقتضيات التشريعية لقانون المسطرة الجنائية نجد أيضا أن الانابة القضائية تصدر من قاضي التحقيق اتجاه ضباط الشرطة القضائية
استثناءات لا يمكن أن يمارس فيها الضابط المنيب إجراءات التحقيق
يتمتع الضابط المنيب بجميع السلطات المخولة لقاضي التحقيق كقاعدة عامة، إلا أنه يُحْرم بمقتضى القانون من بعض إجراءات التحقيق من ذلك مثلا:
- عدم الصلاحية في استجواب المتهم ومواجهته مع الغير،
- كما أنه ليس من صلاحياته الاستماع الى المطالب بالحق المدني إلا بطلب منه. لا يستطيع كذلك تفتيش المنزل لأن الفقرة الأولى من المادة 102 من قانون المسطرة الجنائية خصت ذلك بقاضي التحقيق شخصيا إذا تعلق الأمر بجناية أو بجريمة إرهابية وبحضور ممثل النيابة العامة.
- كما أنه لا يسمح لقاضي التحقيق ينيب ضابط الشرطة القضائية لتفتيش المنزل خارج الساعات القانونية إلا إذا توفرت ثلاث شروط وهي كما يلي:
- تعلق الامر بجريمة إرهابية؛
- حضور ممثل النيابة العامة؛
- الانابة لحالة الاستعجال القصوى.
تجدر الإشارة الى أنه يمكن أن يتعدى نطاق الانابة القضائية من حيث الأشخاص الحدود الوطنية ليصل الى إنابة قضائية من دولة أخرى لأجل للقيام بإجراء من إجراءات التحقيق بل والحضور كذلك أثناء تنفيذها.
الأشخاص الذين يمكنهم تلقي الانابة
من بين الأشخاص الذين يمكنهم تلقي الانابة فيتعلق الأمر بكل من:
- قضاة التحقيق؛
- قضاة المحكمة التي يعمل بها قاضي التحقيق؛
- ضباط الشرطة القضائية باستثناء الحالات الممنوعة بموجب القانون.
كان هذا فيما يتعلق بنطاق الانابة من حيث الأشخاص.
ثانيا: نطاق الانابة القضائية من حيث المهام المكلف بها
الانابة القضائية تقتصر على إجراء محدد من إجراءات التحقيق والمتعلقة بالجريمة المشار اليها في المتابعة.
كما يتعين أن تتضمن تحديد الأعمال المطلوب القيام بها، بحيث لا يصح أن تكون عامة، ولا يصح كذلك أن تكون من أجل التحقيق في القضية بأكملها.
لأنها تعتبر في هذه الحالة بمثابة تنازل من قاضي التحقيق عن اختصاصه الى جهة لم يمنحها القانون سلطة التحقيق فيها من حيث الأصل، ولأن النيابة العامة لم تكلفها بها أصلا.
إجراءات التحقيق التي لا يمكن أن تتم بشأنها الإنابة
ويستثنى من إجراءات التحقيق التي لا يمكن أن تتم فيها الانابة ما يلي:
- تعيين خبراء؛
- الاستماع الى المطالب بالحق المدني أو الشاهد الحاضر إلا بطلب من هؤلاء بالنسبة لضابط الشرطة القضائية؛
- المواجهة والتي التي لا يمكن أن يعهد بها إلا الى قاض من قضاة الحكم أو قضاة التحقيق دون ضباط الشرطة القضائية؛
- كما أن أخذ العينات وفحصها لا يمكن أن يشكل بيولوجيا محلا للإنابة القضائية.
وبالتالي فإن الانابة القضائية تتطلب أن يكون موضوعها جريمة محددة تم اقترافها أو الشروع في اقترافها، إذ تمنع الانابة القضائية العامة التي تعطى لسلسلة غير محدودة من الجرائم.
لكن في حالة ما إذا اكتشف ضباط الشرطة القضائية أثناء تنفيذهم للإنابة القضائية إحدى الجرائم فمن حقهم اتخاذ الإجراءات المخولة لهم قانونا إما في إطار السلطات الموكولة لهم في حالة البحث التمهيدي أو في حالات التلبس.
شروط الانابة القضائية
سنتعرف بداية على الشروط التي يجب توفرها في الجهة المنيبة بعدها نعرض للشروط الواجب توفرها في الأعمال المطلوبة.
الشرط الأول: الشرو الواجب توفرها في الجهة المنيبة
إن الأشخاص الموجهة إليهم إنابات قضائية من أجل تنفيذها يتمتعون بنفس السلطات التي يتمتع بها قاضي التحقيق ذاته، كما أنهم يتحملون نفس الواجبات التي تقع على عاتقه حينما يقوم بإجراء التحقيق بنفسه.
ولكن مقابل ذلك فإن إنابتهم تخضع في تنفيذها من طرف المفوضين الى رقابة صارمة يمارسها قاضي التحقيق المنيب.
وهذه الرقابة يمارسها قاضي التحقيق أثناء تنفيذ الإنابة القضائية وبعد تنفيذها.
الرقابة أثناء تنفيذ الانابة
تتعلق هذه الرقابة أولا بحجز الأشخاص تحت الحراسة النظرية، فبالرغم من أن هذه الوسيلة تدخل ضمن السلطات المخولة أصلا لضابط الشرطة القضائية إلا أن القانون يفرض على هذا الأخير حينما يلجأ الى هذا الإجراء في إطار تنفيذ الإنابة القضائية أن يقوم بذلك تحت الرقابة الصارمة لقاضي التحقيق.
الرقابة بعد تنفيذ الانابة
أما هذه الرقابة فتتعلق باحترام أجل التنفيذ وصحة الأعمال المنفذة:
1) احترام آجال التنفيذ
أيتعين على الأشخاص المفوضين بعد تنفيذ الإنابة إرسال كل الوثائق أو المحاضر التي حرروها الى القاضي المنيب، ويجب أن يتم هذا الإرسال ضمن الأجل المحدد سلفا من طرف قاضي التحقيق.
2) صحة الاعمال المنفذة
يجب أن تكون الانابة صادرة عن قاض مختص ومكلف بالتحقيق في القضية التي صدرت بشأنها، وأن يكون مختص مكانيا قاضي التحقيق أو القاضي أو الضابط الذي وجهت اليه هذه الإنابة.
الشرط الثاني: الشروط الواجب توفرها في الأعمال المطلوبة
إن الإنابة من حيث الشكل فهي عبارة عن ورقة مكتوبة مؤرخة وممضية، تبين نوع الجريمة المشكلّة للإنابة.
- منطقيا يجب أن تحتوي على أجل مبين بالأرقام للتنفيذ؛
- كما أنه يجب توجيه المحاضر التي تم إنجازها الى قاضي التحقيق، داخل أجل ثمانية (8) أيام من تاريخ إنجاز الإجراءات؛
- وإذا تضمنت الانابة القضائية الأمر بإنجاز عدة إجراءات في آن واحد ولكن في أماكن مختلفة من تراب المملكة، فإنه فيمكن بأمر من قاضي التحقيق أن توجه الى السلطات المكلفة بمهمة تنفيذ الإنابة، إما نظائر مستخرجة منها أو نسخا منها مطابقة للأصل.
انطلاقا مما سبق يتضح أن الانابة القضائية كإمكانية وضعها المشرع بيد قاضي التحقيق للركون لها عند الحاجة، فإن لها أهمية قصوى فيما يخص سريان عمليات التحقيق.
قراءة الفصول من 189 الى 193 من قانون المسطرة الجنائية:
فيديو شرح مبسط للانابة القضائية في إطار قانون المسطرة الجنائية:
شكرا على زيارتكم لموقعنا، أتمنى أن يكون الموضوع مفيدا بالنسبة لكم ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.